قوله :« لنخرنكم » جواب قسم مقدر، كقوله :« ولنصبرن » وقوله :« أو لتعدن » في « أوْ » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها على بابها من كونها لأحد الشيئين.
والثاني : أنها بمعنى :« حتَّى ».
والثالث : أنها بمعنى « إلاَّّ » كقولهم : لألزمَنَّكَ أوْ تَقْضِينِي حَقِّي.
والقولان : الأخيران مردودان، إذ لا يصح تركيب « حتَّى » ولا تركيب « إلاَّ » مع قوله « لتَعُودُن » بخلاف المثال المتقدم، والعود هنا يحتمل أن يكون على بابه أي : لترجعن و « في ملَّتنا » متعلق به، وأن يكون بمعنى الصيرورة، فيكون الجار في محل نصب خبراً لها.
فإن قيل : هذا يوهم أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعودا فيها.
فالجواب من وجوه :
أحدها : أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنَّما نشئوا في تلك البلاد؛ وكانوا من تلك القبائل وفي أول الأمر ما ظهروا المخالفة مع الكفار، بل كانوا ساكتين إلى حين الوحي فظن القوم أنهم كانوا على ملتهم لسكوتهم، فلهذا قالوا :﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾.
وثانيها : أن هذا الكلام الكفار ولا يجب في كل ما قالوه أن يكونوا صادقين.
وثالثها : قال الزمخشريُّ :« لعَوْدُ هنا بمعنى الصِّيرورة كثير في كلام العرب كثرة فاشية لا تكاد تسمعهم يستعملون :» صَارَ « ولكن عاد : ما عدت أراه، وعاد لا يكلمني ما عاد لفلان مالٍ ».
ورابعها : أن الخطاب وإن كان في الظاهر مع الرسل إلا أنَّ المقصود بهذا الخطاب أتباعهم وأصحابهم، فغلبوا في الخطاب الجماعة، ولا بأس أن يقال : إنهم قبل ذلك الوقت كانوا على دين أولئك الكفار.
وخامسها : لعل أولئك الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كانوا قبل إرسالهم على ملَّة من الملل، ثم إنه تعالى نسخه تلك الملة وأمرهم بشريعة أخرى وبقي تلك الأقوام على تلك الشريعة المنسوخة مصرين عليها، وعلى هذا التقدير، فلا يبعد أن يطلبوا من الأنبياء صلوات الله عليهم أن يعودوا إلى تلك الملّة.
ولما ذكر الكفَّار هذا الكلام أو حى الله عزَّ وجلَّ أليهم ﴿ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين ﴾.
قوله :« لنُهْلِكنَّ » جوب قسم مضمر، وذلك القسم وجوابه فيه وجهان :
أحدهما : أنه على إضمار القول، أي : قال لنهلكن.
والثاني : أنه أجرى الإيحاء مجرى القول؛ لأنه ضرب منه.
وقرأ أبو حيوة « ليُهْلِكنَّ » و « ليُسْكِننَّكُمْ » بياء الغيبة مناسبة لقوله :« ربُّهُمْ » والمراد بالأرض : أرض الظالمين، وديارهم، وأموالهم وقال ﷺ :« مَنْ أذَى جَارهُ ورَّثُه اللهُ دارهُ »