أي : مستكبرة «، وأمَّا العنيد فقال أهلُ اللغة في اشتقاقه :
قال البصريون : أصل العُنُود : الخلاف، والتباعد، والترك.
وقال غيرهم : أصله من العَنْد وهو النَّاحية، يقال : هو يمشي عنداً، أي : ناحية فهو المُعانِدُ للحق بجانبه، قاله مجاهد.
وقال ابن عبَّاس رضي الله عنه : هوالمعرض عن الحق. وقال مقاتلٌ : هو المتكبّر وقال قتادة : العَنِيدُ الذي أبى أن يقال : لا إلهَ إلاَّ الله.
ثم ذكر كيفية عذابهن فقال :»
مِنْ وَرائِهِ « جملة في محلّ جر صفة ل » جبَّارٍ « ويجوز أن تكون الصفة وحدها الجار، و » جهنم : فاعل به.
وقوله :« ويسقى » صفة معطوفة على الصفة قبلها. عطف جملة فعلية على اسمية فإن جعلت الصفة الجار وحده، وعلقته بفعل كان من عطف فعلية على فعلية.
وقيل : عطف على محذوف، أي : يلقى فيها، ويُسْقَى.
و « وَرَاءِ » هنا على بابها، وقيل بمعنى أمام، فهو من الأضداد، وهذا عنى الزمخشري بقوله :« مِنْ بَيْنِ يَديْهِ » وأنشد :[ الوافر ]

٣٢٠٠ عَسَى الكَرْبُ الَّذي أمْسَيْتُ فِيهِ يَكونُ وَراءَهُ فَرجٌ قَرِيب
وهو قول أبي عبيدة و ابن السِّكيت، وقطرب، وابن جريرٍ؛ وقال الشاعر في ذلك :[ الطويل ]
٣٢٠١ أيَرْجُو بنُو مَرْوان سَمْعِي وطَاعتِي وقَوْمُ تَميمٍ والفَلاةُ وَرَئِيَا
أي : قُدَّامي؛ وقال الآخر :[ الطويل ]
٣٢٠٢ أليْسَ وَرائِي إنَّ تَراخَتْ مَنيَّتِي لزومٌ العَصَا عليْهَا الأصابِعُ
وقال ثعلب : هو اسم لما توارى عنك سواء كان خلفك، أم قدامك فيصح إطلاق لفظ الوراء على الحذف وقدام، ويقال : المَوْتُ وراء كُلُّ أحدٍ، وقال تعالى :﴿ وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ﴾ [ الكهف : ٧٩ ] أي : أمامهم.
وقال ابن الأنباري : وراء بمعنى بعد، قال الشاعر :[ الطويل ]
٣٢٠٣................... وليْسَ ورَاءَ اللهِ للْخَلْقِ مَهْرَبُ
ومعنى الآية : أنه بعد الخيبة يدخلهم جهنم.
قوله :﴿ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ ﴾ في « صديد » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنَّه نعت ل « مَاءٍ ». وفي تأويلان :
أحدهما : أنه على حذف أداة التشبيه، أي : ماء مثل صديد، وعلى هذا فليس الماء الذي تشربونه صديداً، بل مثله في النَّتنِ، والغلظ، والقذارة، كقوله تعالى :﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل ﴾ [ الكهف : ٢٩ ].
والثاني : أنَّ الصديد لما كان يشبه الماء أطلق عليه ماء، وليس هو بماء حقيقة، وعلى هذا فيكون يشربون نفس الصديد المشبه للماء، وهو قول ابن عطية، وإلى كونه صفة ذهب الحوفي وغيره. وفيه نظرٌ، إذ ليس بمشتق إلاَّ على من فسَّره بأنه صديدق بمعنى مصدود، أخذه من الصَّدِّ، وكأنه لكراهته مصدودٌ عنه، أي : يمتنع عليه كل أحد.
الثاني : أنه عطف بيان ل « مَاءٍ »، وإليه ذهب الزمخشري، وليس مذهب البصريين [ جريانه ] في النكرات إنَّما قال به الكوفيون وتبعهم الفارسي أيضاً.
الثالث : أن يكون بدلاً، وأعرب الفارسي « زَيْتُونةٍ » من قوله تعالى ﴿ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾


الصفحة التالية
Icon