وقيل : المراد بتلك الأعمال عبادتهم الأصنام، وكفرهم الذي اعتقدوه إيماناً وطريقاً لخلاصهم، وأتبعوا أبدانهم دهراً طويلاً لينتفعوا بها، فصارت وبالاً عليهم.
وقيل : المراد من أعمالهم كلا القسمين؛ لأن أعمالهم التي كانت في أنفسها خبرات قد بطلت، والأعمال التي اعتقدوها خيراً، وأفنوا فيها أعمالهم بطلت أيضاً، وصارت في أعظم الموجبات لعذابهم، ولا شك أنَّه يعظم حسرتهم وندامتهم ولذلك قال :﴿ هُوَ الضلال البعيد ﴾.
قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض بالحق ﴾ الآية لما بين بطلان أعمالهم بسبب كفرهم، وإعراضهم عن قبول الحق، وأنَّ الله تعالى لا يبطل أعمال المخلصين ابتداءً، وكيف يليق بالححكمةم أن يفعل ذلك والله تعالى ما خلق هذا العالم إلا لرعاية الحكمة والصواب؟
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ قرأ أبو عبدالرحمن رحمه الله تعالى : بسكون الراء، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه أجرى الوصل مُجْرَى الوقف.
والثاني : أنَّ العرب حذفت لام الكلمة عند عدم الجازم، فقالوا :« ولوْ تَرَ مَا الصِّبْيَان » فلما دخل الجازم تخيلوا أنَّ الراء محل الجزم، ونظيره « لَمْ أبَلْ » فإن أصله : أبالِي، ثم حذفوا لامه رفعاً، فلمَّا جزموه لم يعتدوا بلامه، وتوهموا الجزم في اللام، والرُّؤية هنا قلبية ف « أنَّ » في محل المفعولين، أو أحدهما على الخلاف.
وقرأ الأخوان هنا :« ( خالق السماوات والأرض ) » خَالِقُ « اسم فاعل مضاف لما بعده فلذلك خفضوا ما عطف عليه، وهو » الأرض «، وفي » النور « :» خالقُ كُلِّ دابّةٍ « [ أية : ٤٥ ] اسم فاعل مضاف لما بعده، والباقون :» خَلَقَ « فعلاً ماضياً، ولذلك نصبوا :» الأرْضَ « و ﴿ كُلَّ دَآبَّةٍ ﴾ [ النور : ٤٥ ] وكسر » السَّمواتِ « في قراءة الأخوين خفض، وفي قراءة غيرهما نصب، ولو قيل : في قراءة الأخوين : يجوز نصب » الأرْضَ « على أحد وجهين، إمَّا على المحمل وإمَّا على حذف التنوين لالتقاء الساكنين، فتكون » السَّموات « منصوبة لفظاً وموضعاً لم يمتنع ولكن لم يقرأ به.
و » بِالحقِّ « متعلق به » خَلَقَ « على أنَّ الباء سببيَّة، أو بمحذوف على أنَّها حالية إمَّا من الفاعل، أي : محقَّا، أو من المفعول، أي : متلبسة بالحق.
قوله » بالحَقِّ « تقدم نظيره في يونس ﴿ مَا خَلَقَ الله ذلك إِلاَّ بالحق ﴾ [ يونس : ٥ ] أي : لم يخلق ذلك عبثاً بل لغرض صحيح.
قم قال عزَّ وجلَّ ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ والمعنى : من كان قادراً على خلق السموات والأرض بالحق، فبأن يقدر على [ إفناء ] قوم إماتتهم وعلى أيجاد آخرين أولى؛ لأنَّ القادر على الأصعب الأعظم؛ يقدر على الأسهل الأضعف بطريق الأولى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا الخطاب مع كفَّار مكَّة يريد أميتكم يا معشر الكفَّار، وأخلق قوماً خيراً منكم وأطوع منكم.
﴿ وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ ﴾ أي : ممتنع لما ذكرنا من الأولوية.