قال أبو حيان : وهذا يقتضى أن يكون بدلاً، فيكون بدل عام من خاص، وهذا لا يقال؛ فإن بعضيه الشيء مطلقة، فلا يكون لها بعض.
قال شهاب الدين : لا نزاع أنه يقال : بعض البعض، وهي عبارة متداولة، وذلك البعض المتبعض هو كل لأبعاضه بعض لكله، وهذا كالجنس المتوسط، هو نوع لما فوقه، جنس لما تحته.
الثالث : أن « مِنْ » في « مِنْ شَيءٍ » مزيدة، و « مِنْ » في « مِنْ عذابِ » فيها وجهان :
أحدهما : أن تتعلق بمحذوف؛ لأنها في الأصل صفة ل « شيء » فلما تقدمت نصبت على الحال.
والثاني : أنها تتعلق بنفس « مغنون » على أن يكون « من شيء » واقعاً موقع المصدر، أي : غناء، ويوضح هذا ما قاله أبو البقاء رحمه الله تعالى قال : و « من » زائدة أي شيئاً كائناً من ذاب الله سبحانه وتعالى، ويكون محمولاً على المعنى، تقديره : هل تمنعون عنا شيئاً؟ ويجوز أن يكون « شيء » واقعاً موقع المصدر، أي غناء، فيكون « من عذاب الله » متعلقاً ب « مغنون »، و « من » في « من شيء » لاستغرق الجنس زائدة للتوكيد.

فصل


هذه التعبية يحتمل أن يكون المراد منها التعبية في الكفر، ويحتمل أن يكون المراد منها التعبية في أحوال الدنيا، فعند ذلك قال الذين استكبروا للضعفاء :« لو هدانا الله لهديناكم » قال ابن عباس رضي الله عنهما : معناه لو أرشدنا الله لأرشدناكم. قال الواحدي : معناه أنهم إنما دعوهم إلى الضلال؛ لأن الله تعالى أضلهم فلم يهدهم، فدعوا أتباعهم إلى الضلال، ولو هداهم لدعوهم إلى الهدى.
قال الزمخشري : لعلهم قالوا ذلك مع أنهم كذبوا فيه، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن المنافقين :﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ ﴾ [ المجادلة : ١٨ ].
واعلم أن المعتزلة لا يجوزون صدور الكذب على أهل القيامة، فكان هذا القول منه مخالفاً لأصول مشايخة، فلا يقبل.
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون المعنى : لو كنا من أهل اللطف، فلطف بنا ربنا فهدانا إلى الإيمان لهديناكم إلى الإيمان.
وذكر القاضي هذا الوجه وزيفه بأن قال : لا يجوز حمل هذا على اللطف؛ لأن ذلك قد فعله الله تعالى.
وقيل : لو خلصنا الله من العذاب، وهدانا إلى طريق النجنة، لهديناكم؛ بدليل أن هذا هو الذي التمسوه وطلبوه.
قوله :﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ ﴾ إلى آخره فيه قولان :
أحدهما : أنه من كلام المستكبرين.
والثاني : أنه من كلام المستكبرين والضعفاء معاً، وجاءت كل جملة مستقلة من غير عاطف دلالة على أن كلاًّ من المعاني مستقل بنفسه كافٍ في الإخبار، وقد تقدَّم الكلام في التسوية والهمزة بعده في أول البقرة.


الصفحة التالية
Icon