والجَزَعُ : عدمُ احتمالِ الشدَّة، قال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٣٢٠٦ جَزِعْتُ ولَمْ أجْزَعْ مِنَ البيْنِ مَجْزَعاً وعَزَّيْتُ قلْباً بالكَواعِبش مُولعَا
وقال الراغب :« أصل الجَزْعِ : نقطعُ الحَبْلِ، يقال : جَزعْتهُ فانْجَزعَ ومنه : جِزْعُ الوادي لمنقطعة، ولانقطاع اللون بتغيره.
وقيل للخرز المتلون : جِزْع، واللحم المُجَزَّعُ : ما كان ذا لونين والبسرة المجزعة : أن تبلغ الأرطاب نصفها، والجَاذِعُ : خشبة تجعل في وسط لبيت فتلقى عليها رؤوس الخشب من الجانبين، وصور الجزعة لما حمل عليه من العبء أو لقطعه بطوله وسط البيت »
.
والجَزَع أخص من الحزن، فإن الجزع حزنٌ يصرف الإنسان عما هو بصدده.
والمَحِيصُ : يكون مصدراً كالمَغِيب والمَشِيب، ويكون اسم مكان، كالمَبِيت والمَضِيق ويقال : حَاصَ عنه وحَاضَ بمعنى واحد، ويقال : خاض بالضاد المعجمة، وجصنا بها بالجيم.
والمعنى : مالنا من ملجأ ولا مهرب. فقام إبليس عند ذلك فخطبهم فقال ﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق ﴾.
قوله :﴿ وَعْدَ الحق ﴾ يجوز أن يكون من باب إضافة الموصوف الصفته، كقوله تعالى :﴿ وَحَبَّ الحصيد ﴾ [ ق : ٩ ] ومسجد الجامع، أي : الوعد الحق، وأن يراد ب « الحقِّ » صفة الباري تعالى، أي : وعدكم الله وعده الحق، وأن يراد ب « الحَقِّ » البعث، والجزاء على الأعمال، فتكون إضافة صريحة.
وقيل : وعدكم الحق ثمَّ ذكر المصد تأكيداً، وفي الكلام إضمارٌ من وجهين :
الأول : التقدير : أن الله وعدكم وعد الحق فصدقكم ووعدتكم فأخلفتكم وحذف لدلالة الحال على صدق ذلك الوعد؛ يقتضي مفعولاً ثانياً، وحذف للعلم به تقديره : ووعدتكم أن لا جنّة، ولا نار، ولا حشر، ولا حساب.

فصل


لما [ ذكر ] الله سبحانه وتعالى المناظرة التي وقعت بين الرؤساء والأتباع أردفها بالمناظرة التي وقعت بين الشيطان وأتباعه فقال :﴿ وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر ﴾ قال المفسرون : إذا استقر أهلُ الجنَّة في الجنَّة، وأهل النَّار في النَّار أخذ أهل النار في لوم إبليس وتقريعه، فيقوم فيما بينهم خطيباً، فيقول :« إنَّ اللهَ وعدَكُمْ وعْدَ الحقِّ ووَعدتُّكُمْ فأخْلفَتُكُمْ ».
وقيل : المراد من قوله تعالى :﴿ لَمَّا قُضِيَ الأمر ﴾ أي : لما انقضت المحاسبة والمراد من الشيطان : إبليس لعنه الله!.
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ أي : قدرة وتسلط، وقهر فأقهركم على الكفر والمعاصي.
قوله :﴿ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أظهرهما : أنه استثناء منطقع؛ لأنَّ دعاءه ليس من جنس السُّلطان، وهو الحجة البينة فهو كقولكم : ما تَحِيَّتُم إلاَّ الضرب.
والثاني : أنه متصل؛ لأن القدرة على حمل الإنسان على الشر تارة تكون بالقهر وتارة بتقوية الداعية في قلبه بإلقاء الوسوسة في قلبه، فهو نوع من التسلُّط.
وقرىء « فَلا يَلُومُونِي » بالياء من تحت الالتفات، كقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم ﴾


الصفحة التالية
Icon