[ يونس : ٢٢ ].
ظاهر هذه الآية يدل على أن الشيطان لا قدرة له على صرع الإنسان وتعويج أعضائه وجوارحه وإزالة عقله كما يقوله العوام.
ومعنى الآية : ما كان مني إلا الدعاء والوسوسة وأنتم سمعتم دلائل الله وشاهدتم مجيء أنبياء الله؛ فكان من الواجب أن لا تغتروا بقولي، ولا تلتفتوا إليَّ، فملا رجحتم الوسوسة على الدلائل الظاهرة كان اللََّوم عليكم لا عليَّ.
قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أشياء :
أحدها : أنه لو كان الكفر والمعصية من الله تعالى لوجب أن يقال : فلا تلوموني ولا تلوموا أنفسكم فإنَّ الله تعالى قضى عليكم بالكفر، وأجبركم عليه.
والثاني : أن ظاهر هذه الآية يدلُّ على أنَّ الشيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان، ولا على تعويج أعضائه وإزالة عقله.
والثالث : يدل على أنَّ الإنسان لا يجوز لومه، وذمه، وعقابه بسبب فعل الغير، وعند هذا يظهر أنه لا يجوز عقاب أولاد الكفار بسبب كفر آبائهم.
وأجاب بعضهم عن هذه الوجوه : بأن هذا قول الشيطان، فلا يجوز التمسك به.
وأجاب الخصم عنه : بأنه لو كان هذا الوقل منه باطلاً لبينه الله تعالى وأظهر إنكاره، فلا فائدة من ذلك اليوم في ذكر الكلام الباطل، والقول الفاسد.
ألا ترى أن قوله :﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ كلام حق، وقوله ﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ قول حق بدليل قوله تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين ﴾ [ الحجر : ٤٢ ].
قال ابن الخطيب رحمه الله : دلت هذه الآية على أنَّ الشيطان [ الأصلي ] هو النفس؛ لأن الشيطان بين أنَّه ما أتى إلاَّ بالوسوسة، فلولا الميل الحاصل بسبب الشهوة، والغضب، والوهم، والخيال لم يكن لوسوسته تأثير ألبتَّة، فدل على أنَّ الشيطان الأصلي هو النفس.
فإن قيل : لِمَ قال الشيطان :« فَلا تَلُومونِي ولُومُوا أنْفُسكمْ » وهو ملوم بسبب وسوسته؟.
فالجواب : أراد لا تلوموني على فعلكم :« ولوموا أنفسكم » عليه؛ لأنكم عدلتم عما توجه من هداية الله تعالى لكم.
قوله تعالى :﴿ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ العامَّة على فتح الياءِ؛ لأ، الياء المدغم فيها تفتح أبداً، لاسيما وقبلها كسرتان.
وقرأ حمزة بكسرها، وهي لغة بني يربوع، وقد اضطربت أقوال النَّاسِ في هذه القراءة اضراباً شديداً، فمن مجترىء عليها، ملحن لقارئها، ومن مجوِّز لها من غير ضعف قال : إنَّها لغة بني يربوع، والأصل : بمُصرخينَ لي [ فحذفت ] النون للإضافة وأدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة، ومن مجوِّز لها بضعف.
قال حسين الجعفيُّ رحمه الله : سألت أبا عمرو عن كسر الياء؛ فأجازه وهذه الحكايةُ تحكى عنه بطرق كثيرة منها ما تقدَّم.
ومنها : سألت أبا عمرو، قلت : إنَّ أصحاب النحو يلحنوننا فيها، فقال : هي جائزة عن القرآن، فوجته به عالماً، فسألته عن شيء قرأ به الأعمش، [ واستقرأ ] به :﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ بالجر، فقلا : هي جائزة، فلما أجازها وقرأ بها الأعمش أخذت بها.