يريد : كان [ الصراخ ]، فحذف المضاف، وأقام المصدر الثلاثي مقام المصدر الرباعي، نحو ﴿ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً ﴾ [ نوح : ١٧ ].
والصَّريخُ : القومُ المُسْتَرخُونَ، قال :[ الكامل ]
٣٢١٦ قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصَّريخَ رأيْتهُمْ | مَا بَيْنَ مُلْجمِ مُهرهِ أو سَافِعِ |
قوله :﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ يجوز في « ما » وجهان :
[ أحدهما : أن يكون بمعنى الذي، ثمَّ في المراد بعد الموصول وجهان :]
أحدهما : أنه الأصنام، تقديره : بالصَّنم الذي أشركتموني به، أي : بالصنم الذي « اطعتموني كما أطعتموه، كذا قال أبو البقاء، والعائد محذوف، فقدره أبو البقاء : بما أشركتموني به، ثم حذف يعني بعد حذف الجار، ووصول العفل إليه، ولا حاجة إلى تقديره مجروراً بالياء؛ لأن هذا الفعل متعدّ لواحد، نحو : شركتُ زيداً، فلما دخلت همزة الفعل أكسبته ثانياً، هو العائد، تقول : أشْرَكْتُ زيْداً عَمْراً، أي جعلتهُ شريكاً له.
الثاني : أنه الباري تعالى، أي : بما أشركتموني به، أي : بالله تعالى.
قال القرطبي : المعنى : أن إبليس قال : إني كفرت بالله الذي أشركتموني به من قبل كفركم، أي : أنَّ كفره كان قبل كفر أتباعه، وتكون » مَا « بمعنى » مَنْ « والكلام في العائد كما تقدَّم، إلا أن فيه إيقاع » مَا « على العاقل والمشهور أنَّها لغير العاقل.
قال الزمخشري :» ونحو « مَا » هذه « مَا » في قوله :« سُبْحانَ مَا سخَّركُنَّ لنَا » ومعنى إشراكهم الشيطان بالله تعالى طاتهم له فيما كان يزينه لهم من عبادة الأوثان «.
قال أبو حيان :» ومن منع ذلك جعل سبحان هنا علماً على معنى التَّسبيح، كما جعل « برَّة » علماً للمبرة، و « ما » مصدرية ظرفية «، أي : فيكون على حذف مضاف أي : سبحان صاحب تسخيركن؛ لأن التسبيح لا يليقُ إلا بالله عزَّ وجلَّ..
الوجه الثاني : أن » ما « مصدرية، اي : بإشراككم إياي مع الله، لي الطاعة.
قوله » مِنْ قَبْلُ « متعهلق ب » كَفرْتُ « على القول الأوَّل؛ أي كفرت من قبل حين أبَيْتُ السجود لآدم عليه السلام بالذي أشركتموني وهو الله سبحانه وتعالى، وب » أشْرَكْتُ « على الثاني، أي : كفرت اليوم بإشراككم إيَّاي من قبل هذا اليوم أي : في الدنيا، كقوله ﴿ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ﴾ [ فاطر : ١٤ ]، هذا قول الزمخشري رحمه الله.
وجوَّز أبو البقاء متعلقه ب » كَفرْتُ « وب » أشْرَكْتمُونِي « من غير ترتيب على كون :» مَا « مصدرية أوموصولة.