﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ﴾ [ فاطر : ١٠ ]. ووصف الشجرة بكونها طيبة وذلك يشمل طِيبَ الصورة والشكل والمنظر، والطعم، والرائحة والمنفعة ويكون أصلها ثابت، اي : راسخٌ آمن من الانقطاع، والزوال ويكون فرعها في السماء؛ لأن ارتفاع الأغصان يدلُّ على ثبات الأصل، وأنَّها متى ارتفعت كانت عبدية عن عفونات الأرض، فكانت ثمارها نقيّة طاهرة عن جميع الشَّوائبِ، ووصفها أيضاً بأنها :« تُؤتِي أكلها كُلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها » والحين في اللغة هو الوقت، والمراد أنَّ ثمار هذه الشجرة تكون أبداً حاضرة دائمة في كلِّ الأوقات ولا تكون مثل الأشجار التي تكون ثمارها حضارة في بعض الأوقات دون بعض.
وقال مجاهد وعكرمة : والحين : سنة كاملة؛ لأنَّ النخلة تثمر كلَّ سنةٍ. وقال سعيد بن جبير، وقتادة والحسن : ستة أشهر من وقت إطلاعها إلى حين صرامها وروي ذلك عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه.
وقيل : أربعة أشهر من حين ظهورها إلى إدراكها.
وقال سعيد بن المسيب : شهران من حين أن يؤكل منها إلى الصرام.
وقال الربيع بن أنس رضي الله عنه : كل حين، أي : كل غدوة، وعشية، لأن ثمرة النخل تؤكل أبداً ليلاً ونهاراً صيفاً وشتاء إما تمراً رطباً أو بسراً، كذلك عمل المؤمن يصعد أوَّل النهار وآخره، وبركة إيمانه لا تنطقع أبداً، بل تتصل في كلِّ وقت.
والحكمةٌ في تمثيل الإيمان بالشجرة، وهي أن الشجرة لا تكون إلا ثلاثة أشياء :
عِرقٌ رَاسخٌ، وأصلٌ قَائِمٌ، وفَرعٌ عالٍ، كذلك الإيمان لا يتمُّ إلا بثلاثة أشياء : تصديق بالقلب وقول باللسان، وعمل بالأبدان.
ثم قال تعالى جل ذكره ﴿ وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ والمعنى : أن في ضرب الأمثال زيادة إفهام، وتذكير وتصوير للمعاني.
وقوله :﴿ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ﴾ قرىء بنصب « مثَل » عطفاً على :« مَثلَ » الأوَّلِ.
و « اجْتُثَّتْ » « صفة ل » شَجَرَةٍ «، ومعنى :» اجْتُثَّتْ « قلعت جثتها، أي : شخصها والجثة شخص الإنسان قاعداً أو قائماً ويقال : اجتث الشيء أي اقتلعه، فهو افتعال من لفظ الجثة، وجَثَثْتُ الشيء : قلعتهُ.
قال لقيط الإيادي :[ البسيط ]
وقال الراغب :» جُثَّةٌ الشيء : شخصه النَّاتىء، والمُجَيَّةُ : ما يجثُّ بِهِ والجَثِيثَةُ لما بَانَ جُثَّتهُ بعد طَبْخهِ، والجَثْجَاثُ : نَبْتٌ «.٣٢١٧ هذَا الجَلاءًُ الَّذي يَجْتَثُّ أصْلَكُمُ فمَنْ رأى مِثْلَ ذَا يَوْماً ومنْ سَمِعَا
و » مِنْ قرارٍ « يجوز أن يكون فاعلاً بالجار قبله لاعتماده على النَّفي، وأن يكون مبتدأ، والجملة المنفية إمَّا نعت ل » شَجَرةٍ « وإمَّا حال من ضمير :» اجْتُثَّتْ «.
فصل في المراد بالشجرة الخبيثة
الكلمة الخبيثة هي الشرك :» كَشجَرةٍ خَبِيثةٍ « وهي الحنظلُ وقيل : هي الثوم.