وهذا التوجيه أولى من حيث إنه لم يتقدم ما يرجح النصب، ولا ما يجعله مساوياً والقراء الجماهير على النصب، فلم يكونوا ليتركوا الأفصح؛ إلا لأنَّ المسألة ليست من الاشتغال في شيء، وهذا الذي ذكرناه أيضاً مرجح لنصبه على البديلة أو البيان على انتصابه على الاشتغال.
و « البَوار » : الهلاكُ؛ قال الشاعر :[ الوافر ]
٣٢١٩ فَلمْ أرَ مِثْلهُم أبْطالَ حَربٍ | غَداةَ الرَّوْع إذْ خِيفَ البَوارُ |
ويقال : بَارَ يَبُورُ بُوراً وبَوَاراً، ورجُلُ جَائِرٌ بائِرٌ، وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً ﴾ [ الفتح : ١٢ ] ويحتمل أن يكون مصدراً وصف به الجمع، وأن يكون جمع بائرٍ في المعنى، ومن وقوع « بُور » على الواحد قوله :[ الخفيف ]
٣٢٢٠ يَا رسُولُ المَلِيكِ إنَّ لِسَانِي | رَائِقٌ ما فَتقْت إذْ أنَا بُورُ |
قوله :﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ ﴾ والمراد بهذا الجعل : الحم والاعتقاد، والفعل، والأنداد الأشباه، والشركاء.
« لِيُضلُّوا » قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا :﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ ﴾ بفتح الياءِ والباقون بضمها من أصله، واللام هي لام الجر مضمرة :« أنْ » بعدها، وهي لام العاقبة لما كان مآلهم إلى ذلك ويجز أن تكون لللتعليل.
وقيل : هي مع فتح الياء للعاقبة فقط، ومع ضمها محتملة للوجهين كأنَّ هذا القائل توهم أنهم لم يجعلوا الأنداد لضلالهم، وليس كما زعم، لأن منهم من كفر عناداً واتخذ الآلهة ليضل بنفسه.
قوله تعالى :﴿ قُلْ تَمَتَّعُواْ ﴾ عيشوا في الدنيا :﴿ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار ﴾ ﴿ إِلَى النار ﴾ خبر « إنَّ : والمصير مصدر، و » صَارَ « التامة، أي : فإنَّ مرجعكم كائن إلى النَّار.
وأجاز الحوفيُّ أن يتعلق ﴿ إِلَى النار ﴾ ب » مَصِيرَكُمْ «.
وقد ردَّ هذا بعضهم : بأنَّه لو جعلناه مصدراً صَارَ بمعنى انتقل، و ﴿ إِلَى النار ﴾ متعلق به، بقيت » إنَّ « بلا خبر، لا يقال : خبرها حينئذ محذوف؛ لأنَّ حذفه في مثل هذا يقلُّ، وإنَّما يكثر حذفه إذا كان الاسم نكرة، والخبر ظرفاً أو جارًّا، كقوله :[ المنسرح ]
٣٢٢١ إنَّ مَحَلا وإنَّ مُرْتَحَلاَ | وإنَّ في السَّفْرِ ما مضَى مَهَلا |