لما هدد الكفار، وأوعدهم بالتَّمتُّع بنعيم الدنيا أمر المؤمنين بترك التمتع في الدنيا، والمبالغة في الجهاد بالنفس والمال.
وفي « يُقِيمُوا » أوجه :
أحدها : أنه مجزومٌ بلام محذوفة، تقديره : ليقيموا، فحذفت وبقي عملها، كما يحذف الجار ويبقى عمله، كقوله :[ الوافر ]

٣٢٢٢ مُحَمَّدُ تَفْدِ نفْسكَ كُلُّ نَفْسٍ إذَا مَا خِفْتَ من شَيءٍ تَبَالا
يريد : لتفدِ.
وأنشده سيبويه إلا أنَّه خصه بالشعرِ.
قال الزمخشري :« ويجوز أن يكون :» يُقِيمُوا، و « يُنْفِقُوا » بمعنى : ليقيموا ولينفقوا، وليكون هذا هو المقولُ، قالوا : وإنَّما جَازَ حذف اللاَّم؛ لأنَّ الأمر الذي هو « قُلْ » عوض منها، ولو قيل : يقيموا الصلاة، وينفقوا بحذف اللاَّم لم يجز «.
ونحا ابنُ مالكٍ رحمه الله إلى قريب من هذا، فإنَّه جعل محذف هذه اللاَّم على أضربٍ : قليل، وكثير ومتوسط. فالكثير : أن يكمون قبله قول بصيغة الأمر، كلآية الكريمة.
والقليل : ألا يتقدم قول؛ كقوله :[ الوافر ]
٣٢٣٣ مُحَمَّدُ تَفْدِ.......... ......................
والمتوسطُ : أن يتقدَّم بغير صيغة الأمر، كقوله :[ الرجز ]
٣٢٢٤ قُلْتُ لبَوَّابٍ لَديْهِ دَرُهَا تِيذَنْ فإنِّي حَمؤُهَا وجَارُهَا
الثاني : أن »
يُقِيمُوا « مجزوم على جواب :» قُلْ «، وإليه نحا الأخفش والمبرد.
وقد رد النَّاس عليهما هذا؛ بأنه لا يلزمُ من قوله لهم : أقيموا أن يفعلوا ذم من تخلف عن هذا الأمر.
وقد أجيب عن هذا : بأنَّ المراد بالبعادِ المؤمنون، ولذلك أضافهم إليه تشريفاً والمؤمنون متى أمروا؛ امتثلوا.
الثالث : أنه مجزومٌ على جواب المقولِ المحذوفِ، تقديره : قل لعبادي أقيموا وأنفقوا، أي : يقيموا وينفقوا، قاله أبو البقاء رحمه الله وعزاه للمبرّد، كذا ذكره جماعةٌ ولم يتعرّضوا لإفساده، وهو فاسدٌ من وجهين :
أحدهما : أن جواب الشَّرط يخالف الشَّرط إما في الفعل، وإما في الفاعل، أو فيهما وأمَّا إذا كان مثله في الفعل والفاعل، فهو خطأ، كقولك : قُمْ يَقُمْ، والتقدير على ما ذكره في وهذا الوجه : أن يُقِيمُوا يُقِيمُوا.
والوجه الثاني : أنَّ الأمر المقدر للمواجهة، و »
يُقِيمُوا « على لفظ الغيبة، وهو خطأ إذا كان الفاعل واحداً.
قال شهاب الدين :»
أمَّا الإفساد الأوَّل فقريب، وأمَّا الثاني، فليس بشيء لأنَّه يجوز أن يقول : قل لعبدي أطعني يطعك، وإن كان للغيبة بعد الموجهة باعتبار حكاية الحال «.
الرابع : أن التقدير : أن يقول هلم : أقيموا يقيموا، وهذا مروي عن سيبويه فيما حكاه ابن عطية، وهذا هو القول الثاني.
الخامس : قال ابن عطية :»
يحتمل أن يكون « يُقِيمُوا » جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله « قُلْ » وذلك أن تجعل « قُلْ » في هذه الآية بمعنى بَلَّغ وَأدِّ الشَّريعة يقيموا الصَّلاة «.


الصفحة التالية
Icon