السادس : قال الفراء : الأمر معه شرط مقدر، تقولُ : أطِعِ الله يُدخِلْكَ الجنَّة والفرق بين هذا، وبين ما قبله : أنَّ ما قبله ضمن فيه الأمر نفسه معنى الشَّرط، وفي هذا قدر فعل الشرط بعد فعل الأمر من غير تضمينٍ.
السابع : قال الفارسي إنَّه مضارع صرف عن الأمر إلى الخبر، ومعناه : أقيموا.
وهذا مردودٌ؛ لأنه كان ينبغي أن تثبت نونه الدالةٌ على إعرابه.
وأجيب عن هذا : بأنه بني لوقوعه موقع المبني، كما بني المنادى في نحو : يَا زَيْدُ لوقوعه موضع الضمير.
ولو قيل : بأنَّه حذفت نونه تخفيفاً على حد حذفها في قوله :« لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابروا ».
وفي معمول « قُلْ » ثلاثة أوجه :
الأول : الأمر المقدر، أي : قل لهم أقيما يقيموا.
الثاني : أنه نفس « يُقِيمُوا » على ما قاله ابن عطية.
الثالث : أنَّه الجملة من قوله :﴿ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض ﴾ إلى أخره، قاله ابن عطية؟
وفيه تفكيك النَّظم، و جعل الجملة :﴿ يُقِيمُواْ الصلاة ﴾ إلى آخرها مفلتاً مما قبله وبعده، أو يكون جواباً فصل به بين القولين، ومعموله، لكنه لا يترتب على قوله ذلك : إقامة الصلاة، والإنفاق إلا بتأويل بعيد جدًّا.
وقرأ حمزة والكسائي :« لِعبَادِيْ » بسكون الياء، والباقون بفتح الياءِ لالتقاءِ الساكنين.
قوله :﴿ سِرّاً وَعَلانِيَةً ﴾ في نصبهما ثلاثة أوجه :
أحدها : أنَّهما حالان مما تقدجم، وفيهما الثلاث التأويلات في : زيْدٌ عدْلٌ، أي : ذَوِي سرٍّ، وعلانيةٍ، أو مُسرِّينَ مُعلِنينَ، أو جعلوا نفس السر والعلانية مبالغة.
الثاني : أنهما منصوبان على الظرف، أي : وقتي سر وعلانية.
الثالث : أنهما منصوبان على المصدر، أي : إنفاق سرِّ، وإنفاق علانية.
قوله :﴿ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ متعلق ب :« يُقِيمُوا » و « يُنْفِقُوا » أي : يفعلون ذلك قبل هذا اليوم.
وقد تقدَّم خلاف القراء في :« لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ ».
والخِلال المُخالة، وهي المُصاحبة، يقال : خاللته خِلالاً، ومخالَّة؛ قال طرفة :[ السريع ]

٣٢٢٥ كُلُّ خَليلٍ كُنْتُ خَالَلْتُهُ لا تَراكَ اللهُ لَهُ وَاضِحَه
وقال امرؤ القيس :[ الطويل ]
٣٢٢٦ صَرْتُ الهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيةِ الرَّدَى وَلسْتُ بِمقْليِّ الخِلالِ ولا قَالِ
وقال الأخفش : خِلال جمع ل « خلة »، نحو « بُرمَة وبِرَام ».

فصل


قال مقاتلٌ : يوم لا بيع فيه، ولا شراء، ولا مخالفة، ولا قرابة. وقد تقدَّم الكلام على نحو هذه الآية في البقرة [ ٢٥٤ ].
فإن قيل : كيف نفى الخلة هاهنا وأثبتها في قوله :﴿ الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين ﴾ [ الزخرف : ٦٧ ] ؟.
فالجواب : أن الآية الدَّالة على نفي المخالة محمولة على نفي المُخَاللَة بسبب ميل الطبع، ورغبة النفس، و الآية الدَّالة على حصول المُخَاللَة، محمولة على الخُلَّة الحاصلة بسبب عبودية الله تعالى ومحبَّتهِ.
قوله تعالى :﴿ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض ﴾ الآية لما وصف أحوال السعداء، وأحوال الأشقياء، وكانتع العمدة العظمى في حصول السَّعادة معرفة الله تعالى بذاته وصفاته، وحصول الشقاوة فقدان هذه المعرفة لا جرم ختم الله تعالى هذين الوصفين بالدَّلائل الدالة على وجود الصَّانع، وكمل عمله وقدرته وذكر ههنا عشرة أنواع من الدلائل :
أولها : خلق السَّموات.


الصفحة التالية
Icon