قال شهاب الدين : ويكون المفعول الثاني هو الجار من قوله :« مِنْ كُلِّ » كقوله تعالى ﴿ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ النمل : ١٦ ].
والثاني : أنها موصولة يمعنى الذي، وهي المفعول الثاني ل « آتَاكُمْ :.
وهذا التخريج الثاني أولى؛ لأنَّ في الأول منافاة ف يالظ اهر لقراءة العامة.
قال أبو حيَّان : ِ » ولما أحس الزمخشري بظهور التنافي بين هذه القراءة، وبين تلك قال : ويجوز أن تكون :« مَا » موصولة على : وآتاكم من كلِّ ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلح أحوالكم ولا معايشكم إلا به، فكأنكم طلبتموه، وسألتموه بلسان الحالِ فتأول :« مَا سَألتْمُوهُ » بمعنى ما احتجتم إليه «.
فصل
اعلم أنَّه تعالى بدأ بذكر خلق السموات، والأرض، لأنهما الأصلان اللذان يتفرع عليهما سائر الأدلة المذكورة بعده.
ثمَّ قال :﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ ﴾ فإنَّه لولا السماء لم يصحّ إنزال الماء منها، ولولا الأرض لم يوجد ما يستقر الماء فيه، فلا بد من وجودهما حتى يصح هذا المقصود.
واعلم أنَّ الماء إنمّا ينزلُ من السَّحاب إلى الأرض، وسمي السحاب سماء اشتقاقاً من السمو؛ وقيل : ينزل من السماء إلى السحاب، ثم ينزل من السحاب إلى الأرض ثم قال تعالى :﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ ﴾.
قال أبو مسلم رحمه الله : لفظ » الثَّمراتِ « يقع في الاغلب على ما يحصل من الأشجار، ويقع أيضاً على الزَّرعِ والنبات، كقوله تعالى :﴿ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [ الأنعام : ١٤١ ].
ثم قال تعالى :﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك لِتَجْرِيَ فِي البحر بِأَمْرِهِ ﴾ [ إبراهيم : ٣٢ ] نظره ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام ﴾ [ الشورى : ٣٢ ].
واعلم أنَّ الانتفاع بما ينبت من الأرض إنَّما يكمل بوجود الفلك؛ لأنَّ الله تعالى خص كل طرف من أطراف الأرض بنوع آخر من النعم حتى إن نعمة هذا الطرف إذا نقلت إلى الطرف الآخر من الأرض، وبالعكس، كثرت الأرباح في التجارات وهذا الفعل لا يمكن إلا بسفن البرّ، وهي الجمال، أو بسفن البحر، وهي الفلك.
فإن قيل : ما معنى :﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك ﴾ منع أنَّ تركيب السفينة من أعمال العبادِ؟.
فالجوابُ : أنَّ فعل العبد خلقُ الله تعالى عند أهنل السُّنَّة، فلا سؤال.
وأمَّا عند المعتزلة : فأنه تعالى خلق الأشجار التي تركب منها السُّفن وخلق الحديد، وسائر الآلات، وعرف العباد صنعه التركيب، وخلق الرياح، وخلق الحركات القوية فيها، ووسّع الأنهار وعمقها تعميقاً لجري السفن فيها، ولولا ذلك لما حصل الانتفاع بالسفن.
وأضاف التسخير إلى أمره؛ لأنَّ الملك العظيم لا يوصف بأنَّه فعل، وإنَّما يقال : أمر، قال تعالى :﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾