﴿ واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ [ البقرة : ١٢٨ ] أي : ثبتنا على الإسلام.
ولقائل أن يقول : السؤال باقٍ، لأنه من المعلوم أنَّ الله تبارك وتعالى ثبت الأنبياء على الإسلام، واجتناب عبادة الأصنام، فما الفائدةٌ من هذا السؤال؟.
قال ابن الخطيب : والصحيح عندي في الجواب وجهان :
الأول : أنه صلوات الله وسلامه عليه وإن كان يعلم أنَّ الله تعالى يصعمه من عبادة الأصنام، إلاّ أنه ذكر ذلك للنفس وإظهاراً للحاجة والفاقة إلى فضل الله تعالى في كل المطالب.
والثاني : أنَّ الصوفية يقولون : إنَّ الشرك نوعان : شركٌ ظاهرٌ، وهو الذي يقوله المشركون، وشرك خفي، وهو تعلق القلب بالأسباب الظاهرة. والتوحيد هو أن يقطع نظره عن الوسائط، وأن لا يرى متوسطاً سوى الحق سبحانه وتعالى فيحتمل أن يكون قوله ﴿ واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ المراد أن يعصمه عن هذا الشرط الخفي، والله تعالى أعمل.
والجواب عن الثالث من وجوه :
أحدها : قال الزمخشري :« قوله » وبَنِيَّ : أراد بنيه [ من صلبه ] «.
والفائدة في هذا الدعاء غير الفائدة التي ذكرناها في قوله :» واجْنُبْنِي وبَنِيََّ «.
وثانيها : قال بعضهم : أراد من أولاده، وأولاد أولاده كل من كان موجوداً حال الدُّعاء، ولا شك أنَّ دعوته مجابة فيهم.
وثالثها : قال مجاهد : لم يعبد أحد من ولد إبراهيم ﷺ صنماً، والصنم هو التمثال المصور، وما ليس بصنم هو من الوثن، وكفَّار قريش ما عبدوا التمثال، وإنما كانوا بعبدون أحجاراً مخصوصة.
وهذا الجواب ليس بقوي؛ لأنَّه صلوات الله وسلامه معليه لا يجوز أن يريد بهذا الدعاء إلا عبادة غير الله، والحجر كالصَّنم في ذلك.
واربعها : أنًَّ هذا الدعاء مختص بالمؤمنين من أولاده، بدليل قوله في آخر الآية ﴿ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾، وذلك يفيد أنَّ من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه، وقوله تبارك وتعالى لنوح ﷺ :﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ [ هود : ٤٦ ].
وخامسها : لعلَّه، وإن كان عمّ في الدعاء إلاَّ أنَّه تعالى أجاب دعاءه في حق البعض دون البعض، وذلك لا يوجب تحقير الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ونظيره قوله تعالى في حق إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين ﴾ [ البقرة : ١٢٤ ].
قوله :﴿ واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾ دليل على أن الكفر، والإيمان من الله تعالى لأنًَّ إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه طلب من الله تعالى أن يجنبه، ويجنب أولاده من الكفر.
والمعتزلة يحملون ذلك على الإلطاف، وهو عدول عن الظَّاهر، وتقدم فسادهذا التأويل.
قوله :﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً ﴾ الضمير في :» إنَّهُنَّ « و » أضْلَلْنَ « عائد على الأصنام، لأنها جمع تكسير غير عاقل.