وقوله :﴿ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ أي : من أشياعي، وأهل ديني.
وقوله ﴿ وَمَنْ عَصَانِي ﴾ شرط، ومحل « مَنْ » الرفع بالابتداء، الجواب :﴿ فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ والعائد محذوف، أي : لهخ.
فصل
قال السديُّ : ومن عصاني ثمَّ تاب. وقال مقاتلٌ :﴿ وَمَنْ عَصَانِي ﴾ فيما دون الشرط.
وقيل : قال ذلك قبل أن يعلمه الله أنَّهُ لا يغفر الشرك، وهذه الآية تدلُّ على إثبات الشَّفاعة في أهل الكبائر؛ لأنَّه طلب المغفرة، والرَّحمة لأولئك العصاة، ولا تخلو هذه الشفاعة من أن تكون للكفار [ أو للعصاة، ولا يجوز أن تكون للكفار ] ؛ لأنه تبرَّأ منهم بقوله :﴿ واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام ﴾.
وقوله :﴿ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ فإنه يدلُّ بمفهومه على أنَّ من لم يتعبه على دينه، فليس منه، والأمة مجتمعة على أنَّ الشفاعة في حق الكفَّار غير جائزة؛ فثبت أن قوله : م ﴿ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ شفاعة في العصاة غير الكفَّار.
ووتلك المعصية : إمَّا أن تكون من الصغائر، أو من الكبائر بعد التَّوبة [ أو من الكبائر قبل التوبة، والأول والثاني بطلان؛ لأن وقوله :﴿ وَمَنْ عَصَانِي ﴾ اللفظ فيه مطلق، فتخصيصه بالصغيرة عدول عن الظاهر، وأيضاً فالصغائر والكبائر بعد التوبة ] وجبة الغفران عند الخصوم، فلا يمكن حمل اللفظ عليه، فثبت أنَّ هذه الشفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التَّوبة.
وإذا ثبت حصول الشفاعة لإبراهيثم صلوات الله وسلامه عليه ثبت حصولها لمحمَّد عليه أفضل الصلاة والسلام لأنه لا قائل بالفرق، ولأنََّ الشفاعة أعلى المناصب، فلو حصلت لإبراهيم ﷺ مع أنَّها لم تحصل لمحمَّد ﷺ كان ذلك نقصاً في حقِّ محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه.
قوله :﴿ رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي ﴾ يجوز أن يكون هذا الجار صفة لمفعول محذوف، أي : أسكنت ذرية من ذريتي، ويجوز أن تكون « مِنْ » مزيدة عند الأخفش.
« بوَادٍ » أي : في وادٍ، وهو مكّة؛ لأن مكَّة وادٍ بين جبلين.
وقوله :﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾ كقوله ﴿ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [ الزمر : ٢٨ ].
قوله :﴿ عِندَ بَيْتِكَ المحرم ﴾ يجوز أن تكون صفة ل « وَادٍ ».
وقال أبو البقاء : يجوز أن يكون بدلاً منه، يعني أنَّه يكون بدل بعضه من كل؛ لأنَّ الوادي أعم من حضرة البيت.
وفيه نظرٌ، من حيث أن « عِنْدَ » لا يتصرف.
فصل
سماه محرّماً؛ لأنه يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره.
وقيل : لأنَّ الله حرم التعرض له، والتهاون به. قيل : لأنه لم يزل ممتنعاً عزيزاً يهابه كل جبَّار كالشيء المُحرَّم الذي يجب أن يجتنب.
وقيل : لأنه حُرِّمَ من الطوفان، أي : منع منه، كما يسمى عتيقاً؛ لأنه أعْتِقَ من الطوفان وقيل : لأن موضع البيت حرم يوم خلق الله السموات، والأرض وحفَّ بسبعة من الملائكةِ وجعل مثل البيت المعمور الذي نباه آدم صلوات الله وسلامه عليه فرفع إلى السَّماءِ.