ونقل صاحب اللَّوامح عن اليماني وعيسى بن عمر :« وإن تُوُلُّوا » بثلاث ضمَّات مبنياً للمفعول، ولمْ يُبين ما هو ولا تصريفه؟ وهو فعلٌ ماضٍ، ولمَّا بُنِيَ للمفعولِ ضُمَّ أولهُ على الفاعل، وضُمَّ ثانيه أيضاً؛ لأنَّه مفتتحٌ بتاءِ مطاوعةِ، وكلُّ ما افتتح بتاءِ مطاوعةٍ ضُمَّ أوله وثانيه، وضُمَّت اللام أيضاً، وإن كان أصلها الكسر لأجْلِ واو الضمير، والأصلُ « تُوُلِّيُوا » نحو : تُدحْرجُوا، فاستثقلت الضَّمةُ على الياءِ، فحذفت فالتقى ساكنان؛ فحذفت الياءُ، لأنَّهما أولهما؛ فبقي ما قبل واو الضَّمير مكسوراً فضُمَّ ليُجانِسَ الضمير؛ فصار وزنهُ « تُفُعُّوا » بحذف لامه، والواو قائمةٌ مقام الفاعل.
وقرأ الأعرجُ « تُولُوا » بضمِّ التاء وسكون الواو وضم اللام مضارع « أوْلَى »، وهذه القراءةُ لا يظهرُ لها معنًى طائلٌ هنا، والمفعول محذوفٌ يقدَّرُ لائقاً بالمعنى.
و « كَبِيرٍ » صفةٌ ل « يَوْمٍ » مبالغة لما يقع فيه من الأهوالِ.
وقيل : بل « كَبيرٍ » صفةٌ ل « عذابَ » فهو منصوبٌ، وإنَّما خفض على الجوارِ؛ كقوله :« هذا جُحر ضبٍّ خربٍ » بجرِّ خَربٍ وهو صفةٌ ل « جُحْرٌ » ؛ وقول امرىء القيس :[ الطويل ]
٢٩٤٢- كأنَّ ثَبِيراً في عَرانينِ وبلهِ | كَبيرُ أنَاسٍ في بِجاد مُزَمَّلِ |
ثم قال :﴿ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
وهذا فيه تهديدٌ وبشارة، فالتَّهديد قوله ﴿ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ ﴾ يدلُّ على أنَّ مرجعنا إليه، وهو قادرٌ على جميع المقدورات لا دافع لقضائه، ولا مانع لمشيئته، والرُّجوع إلى الحاكم الموصوف بهذه الصفة مع العيوب الكثيرة والذُّنوب العظيمة مشكل، وأمَّا البشارةُ، فإنَّ ذلك يدلُّ على قدرة عالية وجلالة عظيمة لهذا الحاكم، وعلى ضعف تام، وعجز عظيم لهذا العبد، والملك القادر القاهر الغالب إذا رأى أحداً أشرف على الهلاك؛ فإنهُ يخلصهُ من تلك الهلكة، ومنه المثل المشهور « إذَا ملكْتَ فأسْجِعْ ».