قوله تعالى :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا ﴾ الآية.
قيل : إنَّها مختصةٌ بالكُفَّار لقوله :﴿ أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [ هود : ١٦ ] وهذا ليس إلاَّ للكفار، فيكون التقدير : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فقط، أي : تكون إرادته مقصورةٌ على حُبِّ الدنيا وزينتها، ومن طلب السعادات الأخرويَّة كان حكمه كذا وكذا.
واختلف القائلون بهذا القول فقال الأصم : المرادُ مُنْكِرُو البعث فإنَّهم ينكرون الغنائم من غير أن يؤمنوا بالآخرة.
وقال أنس - رضي الله عنه - : المرادُ اليهود والنَّصارى.
وقال القاضي : المراد من كان يريدُ بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها.
وعمل الخير قسمان :
العبادات وإيصال المنفعة إلى الحيوان كالبر، وصلة الرَّحمِ، والصَّدقة، وبناء القناطر، وتسوية الطرق، ودفع الشر، وإجراء الأنهار، فهذه الأشياء إذا أتى بها الكافرُ لأجل الثناء في الدُّنيا، فإنَّ بسببها تصل الخيرات والمنافع إلى المحتاجين، وهي من أعمال الخير، فقد تصدرُ من المسلم والكافر.
وأمَّا العباداتُ فإمَّا أن تكون طاعات بنيَّاتٍ مخصوصة، فإذا لمْ يؤتَ بتلك النِّية، وإنَّما أتى فاعلها بها طلباً لزينة الدنيا، وتحصيل الرِّياء والسمعةِ؛ فلا تكونُ طاعةً ووجودها كعدمها بل هو شر منها.
وعلى هذا فالمرادُ منه الطَّاعات التي يصحُّ صدورها من الكفار.
وقيل : الآية على ظاهرها في العموم؛ فيندرج فيه المؤمنُ الذي يأتِي بالطَّاعات رياءً وسمعةً ويندرج فيه الكافرُ الذي هذا صفته.
ويشكلُ على هذا قوله في آخر الآية ﴿ أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار ﴾ إلاَّ إذا قلنا : إنَّ المراد : أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار بسبب الأعمال الفاسدة، والأفعال الباطلة.
والقائلون بهذا القول أكَّدُوا قولهم بما روي عن النبي - ﷺ - « تعوَّذُوا بالله من جُبِّ الحُزْنِ » قيل : وما جُبُّ الحُزنِ؟ قال :« وادٍ في جَهَنَّمَ يُلْقَى فيه القُرَّاء المُراءُونَ ».
وقال - صلوات الله وسلامه عليه - :« أشدُّ النَّاسِ عذاباً يوْمَ القيامةِ مَنْ يَرَى النَّاسُ فيه خَيْراً ولا خَيْرَ فِيهِ ».
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله ﷺ « إذا كَانَ يَوْمَ القيامةِ يُؤتى برجُلٍ جَمَعَ القرآنَ فيقالُ : ما عَمِلْتَ فيه؟ فيقولُ : يا رب قُمْتُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، والنَّهَارِ، فيقُول الله - تبارك وتعالى - كذبْتَ بَلْ أرَدْتَ أن يقالَ : فلانٌ قارىءٌ، وقدْ قِيل ذلِكَ، ويُؤتى بصاحبِ المَالِ فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ ألَمْ أوسِّعْ عليكَ؟ فماذا عَمِلْتَ فيما آتَيْتُكَ؟ فيقُولُ : وصَلْتُ الرَّحِمَ وتصدَّقْتُ، فيقُولُ : كذَبْتَ بَلْ أرَدْتَ أن يقال فلانٌ جوادٌ، وقد قِيلَ ذلك، ويُؤتى بمن قُتِلَ في سبيل الله فيقول : قاتَلْتُ في سَبِيل اللهِ حتَّى قُتِلْتُ، فيقُولُ اللهُ عزَّ وجلَّ كذبْتَ بَلْ أرَدْتَ أن يقال : فلانٌ فارسٌ ».
ثم ضربَ رسُول الله ﷺ ركبتي وقال :« يا أبا هريرة أولئك الثَّلاثةُ أوَّلُ خَلْقٍ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْم القِيامَةِ ».