وعن أبي عمروٍ :﴿ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار ﴾ [ النحل : ٦٢ ] على وزن لا كرم، يعني بضمِّ الراءِ، ولا جرَ، قال :« حذفُوه لكثرةِ الاستعمالِ كما قالوا :» سَو ترى « أي : سوف ترى ».
وقوله :﴿ هُمُ الأخسرون ﴾ يجوز أن يكون « هُمُ » فصلاً، وأن يكون توكيداً، وأن يكون مبتدأ وما بعده خبره، والجملةُ خبر « أنَّ ».
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وأخبتوا إلى رَبِّهِمْ ﴾ لمَّا ذكر عقوبة الكافرين وخسرانهم، أتبعهُ بذكر أحوالِ المؤمنين، والموصولُ اسم « إنَّ »، والجملةُ من قوله ﴿ أولئك أَصْحَابُ الجنة ﴾ خبرها.
والإخْبَاتُ : الاطمئنان والتذلُّل، والتَّواضع، والخضوع، وأصله من الخَبْتِ وهو المكانُ المطمئنُّ، أي المنخفضُ من الأرض، وأخْبَتَ الرَّجلُ : دخل في مكانٍ خبت، كأنْجَدَ وأتهم إذا دخل في أحذ هذين المكانين، ثُمَّ تُوُسِّعَ فيه فقيل : خَبَتَ ذكرهُ، أي : خَمَدَ، ويقال للشَّيءِ الدَّنيء الخبيث؛ قال الشاعر :[ الخفيف ]

٢٩٥٦- يَنْفَعُ الطَّيِّبُ القليلُ مِنَ الرِّزْ قِ ولا ينفعُ الكثيرُ الخَبِيتُ
هكذا ينشدون هذا البيت في هذه المادة، الزمخشري وغيره.
والظَّاهرُ أن يكون بالثَّاءِ المثلثة ولا سيما لمقابلته بالطَّيِّب، ولكن الظَّاهر من عباراتهم أنَّه بالتاء المثناة لأنَّهُم يسوقونهُ في هذه المادةِ، ويدل على أنَّ معنى البيت إنما هو على الثَّاء المثلثة قول الزمخشري :« وقيل : التَّاءُ فيه بدل من الثَّاءِ ».
ومن مجيء « الخَبْت » بمعنى المكان المطمئن قوله :[ الوافر ]
٢٩٥٧- أفَاطِمُ لَو شَهِدْتِ ببطْنِ خَبْتٍ وقَدْ قَتَلَ الهزَبْرُ أخَاكِ بِشْرَا
وفي تركيب البيت قلقٌ، وحلُّهُ : لو شهدتِ أخاك بشراً وقد قتل الهِزَبْرَ، ففاعل « قتل » ضمير يعودُ على « أخاك ».
و « أخْبَت » يتعدَّى ب « إلى » كهذه الآية، وباللاَّم كقوله تعالى :﴿ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الحج : ٥٤ ] ومعنى الآية :
قال ابنُ عباسٍ - رضي الله عنهما - خافُوا.
وقال قتادةُ : تابُوا وقال مجاهدٌ : اطمأنُّوا.
وقيل : خشعُوا إلى ربِّهم. ﴿ أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon