٢٩٦٢- تَرَى النَّوْرَ فيها مُدْخلَ الظِّلِّ رَأسَه ...................................
قال أبُو علي : وهذا ممَّا يُقْلَبُ، إذ ليس فيه إشكال، وفي القرآن ﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ﴾ [ إبراهيم : ٤٧ ].
وبعضهم يخرِّجُ البيت على الاتِّساع في الظَّرْفِ.
وأمَّا الآيةُ ف « أخْلَفَ » يتعدَّى لاثنين، فأنت بالخيار : أن تُضيفَ إلى أيِّهما شئتَ فليس من باب القَلْبِ.
وقد ردَّ بعضهم كون هذه الآية من باب المقلوب بأنه لو كان كذلك لتعدَّى ب « عَنْ » دُونَ « عَلَى »، ألا ترى أنك تقولك « عَمِيتُ عن كذَا » لا « عَلَى كَذَا ».
واختلف في الضَّمير في « عُمِّيَتْ » هل هو عائدٌ على « البَيِّنة »، أو على « الرَّحْمَة »، أو عليهما معاً؟.
وجاز ذلك - وإن كان بلفظ الإفراد - لأنَّ المراد بهما شيءٌ واحد، وإذا قيل بأنه عائدٌ على « البيِّنة » فيكون قوله ﴿ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ ﴾ جملة معترضة بين المتعاطفين، إذ حقُّهُ، ﴿ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ ﴾.
قال الزمخشريُّ : وآتَانِي رحْمَةً بإتيان البيِّنة، على أنَّ البيِّنة في نفسها هي الرَّحمة، ويجوزُ أن يُرَادَ بالبيِّنةِ المعجزة، وبالرَّحمة النبوَّة.
فإن قلت : فقوله « فعُمِّيَتْ » ظاهر على الوجهِ الأوَّلِ فما وجهه على الوجه الثاني، وحقُّه أن يقال : فَعَمِيتَا؟ قلت : الوجهُ أن يُقدَّرَ : فعُمِّيَتْ بعد البيِّنة، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة. انتهى وقد تقدَّم الكلامُ على « أرأيْتُمْ » هذه في الأنعام، وتلخيصهُ هنا أنَّ « أرأيتُم » يطلب « البيِّنة » منصوبةً وفعل الشَّرط يطلبها مجرورةً ب « عَلَى » فأعمل الثَّاني وأضمر في الأول، والتقدير : أرأيْتُم البيِّنة من ربِّي إن كنتُ عليها أنلزِمُكمُوهَا، فحذف المفعولُ الأوَّل، والجملةُ الاستفهاميَّة هي في محلِّ الثاني، وجواب الشرط محذوفٌ للدَّلالةِ عليه.
قوله :« أنُلْزمُكُمُوهَا » أتى هنا بالضَّميرين متصلين، وتقدَّم ضميرُ الخطاب؛ لأنَّهُ أخص، ولو جِيءَ بالغائب أولاً لانفصل الضَّميرُ وجوباً. وقد أجاز بعضهم الاتِّصال واستشهد بقول عثمان « أراهُمُني الباطل شَيْطَاناً ».
وقال الزمخشريُّ : يجوزُ أن يكون الثاني منفصلاً كقوله :« أنُلْزِمكم إيَّاهَا » ونحوه ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله ﴾ [ البقرة : ١٣٧ ] ويجوز « فَسَيكفيك إيَّاهُمْ »، وهذا الذي قاله الزمخشريُّ ظاهرُ قول سيبويه وإن كان بعضهم منعهُ.
وإشباعُ الميم في مثل التركيب واجبٌ، ويضعف سكونها، وعليه « أرَاهُمْني البَاطِل ».
وقال أبُو البقاءِ : وقرىء بإسكان الميم فراراً من توالي الحركات فقوله هذ يحتمل أن يكون أراد سكون ميم الجمع؛ لأنَّه قد ذكر ذلك بعدما قال :« ودخلتِ الواوُ هُنَا تتمَّةٌ للميم، وهو الأصلُ في ميم الجمع، وقرىء بإسكان الميم » انتهى.


الصفحة التالية
Icon