وهذا إن ثبت قراءةً فهو مذهبٌ ليونس : يُجوَّزُ الدِّرهمَ أعطيتكه، وغيره يأباه.
ويحتملُ أن يريد سكون ميم الفعل، ويدلُّ عليه ما قال الزجاج.
أجمع النَّحويون البصريون على أنه لا يجوز إسكانُ حركةِ الإعراب إلاَّ في ضرورة الشعر، فأمَّا ما رُوي عن أبي عمرو فلم يضبطه عنه القراء، وروى عنه سيبويه أنه كان يُخِفُّ الحركة ويختلسُها، وهذا هو الحقُّ وإنما يجُوزُ الإسكانُ في الشعر نحو قول امرىء القيس :[ السريع ]

٢٩٦٣- فاليَوْمَ أشْرَبُ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ ...........................
وكذا قال الزمخشري أيضاً.
وحكى عن أبي عمرو إسكانُ الميم، ووجهه أنَّ الحركة لم تكن إلاَّ خلسةً خفيفةً، فظنَّها الرَّاوي سُكُوناً، والإسكانُ الصَّريحُ لحنٌ عند الخليل، وسيبويه، وحُذَّاقِ البصرييين؛ لأنَّ الحركة الإعرابية لا يُسَوَّغ طرحها إلاَّ في ضرورة الشِّعْرِ.
قال شهابُ الدِّين : وقد حكى الكسائيُّ والفرَّاءُ :« أنُلُزِمْكُمُوهَا » بسكون هذه الميم، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك مُشْبَعاً في سورة البقرة [ ٥٤ ]، أعني تسكين حركةِ الإعرابِ فكيف تجعلونه لحْناً؟.
و « ألزم » يتعدَّى لاثنين، أولهما ضمير الخطاب، والثاني ضمير الغيبة.
و ﴿ وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ جملة حالية، يجوز أن تكون للفاعل، أو لأحدِ المفعولين.
وقدَّم الجارَّ لأجْل الفواصل، وفي الآية قراءاتٌ شاذَّةٌ مخالفةٌ للسَّواد أضْرَبْتُ عنها لذلك.
والمعنى :« أنلزمكم البينة، وأنتم لها كَارهُون لا تُريدُونهَا ». قال قتادةُ :« لو قدر الأنبياء أن يُلزموا قومهُم لألزموا، ولكن لم يقدروا ».
قوله تعالى :﴿ وياقوم لاا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً ﴾.
الضَّمير في « عَلَيْهِ » يجوزُ أن يعود على الإنذار والمفهوم من « نَذِيرٌ »، وأن يعودَ على الدِّين الذي هو الملَّة، وأن يعود على التَّبليغ.
وهذا جوابٌ على الشُّبهةِ الثانية، وهي قولهم : اتَّبَعَك الأرَاذل، فقال : أنا لا أطلبُ على تبليغِ الرِّسالةِ مالاً حتَّى يتفاوت الحالُ بسبب كون المستجيب فقيراً، أو غنياً، وإنما أجري علَى هذه الطاعة على رب العالمين، وإذا كان كذلك فسواء كان غنياً أو فقيراً، لم يتفاوت الحال في ذلك.
ويحتمل أنَّه قال لهم : إنكم لمَّا نظرتم إلى هذه الأمور وجدتُمُوني فقيراً، وظننتم أنِّي إنما أتيت بهذه الأمور لأتوسَّل بها إلى أخذ أموالكم، وهذا الظَّن منكم خطأ، وإنِّي لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجْراً، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين ﴾ [ الشعراء : ١٠٩ ].
قوله :﴿ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين ﴾ قرىء « بطَاردٍ الذينَ » بتنوين « طارد ».
قال الزمخشري : على الأصل يعنى أنَّ أصل اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال العملُ وهو ظاهرُ قول سيبويه.
قال أبُو حيَّان : يُمكن أن يقال : ألأصل الإضافةُ لا العَمَلُ، لأنَّهُ قد اعتورهُ شَبَهَان :
أحدهما : الشبه بالمضارع وهو شبهٌ بغير جنسه.
والآخر : شبههُ بالأسماءِ إذا كانت فيه الإضافةُ؛ فكان إلحاقه بجنسه أولى.
وقوله :﴿ إِنَّهُمْ مُّلاَقُو رَبِّهِمْ ﴾ استئنافٌ يفيدُ التَّعليل، وقوله :« تَجْهَلُون » صفةٌ لا بُدَّ منها إذ الإتيانُ بهذا الموصوفِ دون صفته لا يفيدُ، وأتى بها فعلاً ليدلَّ على التَّجدُّد كلَّ وقتٍ.


الصفحة التالية
Icon