« إن الله تعالى خلق أربعة أشياء وأردفها أربعة أشياء، خلق الجدب وأردفه الزهد وأسكنه الحجاز، وخلق العفة وأردفها الغفلة وأسكنها اليمن، وخلق الرزق وأردفه الطاعون وأسكنه الشام، وخلق الفجور وأردفه الدرهم وأسكنه العراق ».
وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن يسار قال : كتب عمر بن الخطاب إلى كعب الأحبار أن اختر لي المنازل. فكتب إليه يا أمير المؤمنين إنه بلغنا أن الأشياء اجتمعت فقال السخاء : أريد اليمن. فقال حسن الخلق : أنا معك. وقال الجفاء : أريد الحجاز. فقال الفقر : أنا معك. قال البأس : أريد الشام. فقال السيف : أنا معك. وقال العلم : أريد العراق. فقال العقل : أنا معك. وقال الغني : أريد مصر. فقال الذل : أنا معك. فاختر لنفسك يا أمير المؤمنين، فلما ورد الكتاب على عمر قال : العراق إذن، فالعراق إذن.
وأخرج ابن عساكر عن حكيم بن جابر قال : أخبرت أن الإِسلام قال : أنا لاحق بأرض الشام. قال الموت : وأنا معك. قال الملك : وأنا لاحق بأرض العراق. قال القتل : وأنا معك. قال الجوع : وأنا لاحق بأرض العرب. قالت الصحة : وأنا معك.
وأخرج ابن عساكر عن دغفل قال : قال المال : أنا أسكن العراق. فقال الغدر : أنا أسكن معك. وقالت الطاعة : أنا أسكن الشام. فقال الجفاء : أنا أسكن معك. وقالت المروءة : أنا أسكن الحجاز. فقال الفقر : وأنا أسكن معك.
وأما قوله تعالى :﴿ هاروت وماروت ﴾ قد تقدم حديث ابن عمر في قصة آدم وبقيت آثار أخر.
أخرج سعيد وابن جرير والخطيب في تاريخه عن نافع قال : سافرت مع ابن عمر، فلما كان من آخر الليل قال : يا نافع انظر هل طلعت الحمراء؟ قلت : لا مرتين أو ثلاثاً، ثم قلت : قد طلعت. قال : لا مرحباً بها ولا أهلاً. قلت : سبحان الله... ! نجم مسخر سامع مطيع؟ قال : ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله ﷺ قال « إن الملائكة قالت : يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال : إني ابتليتهم وعافيتكم. قالوا : لو كنا مكانهم ما عصيناك. قال : فاختاروا ملكين منكم، فلم يألوا جهداً أن يختاروا، فاختاروا هاروت وماروت فنزلا، فألقى الله عليهم الشبق. قلت : وما الشبق؟ قال : الشهوة. فجاءت امرأة يقال لها الزهرة، فوقعت في قلوبهما، فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه، ثم قال أحدهما للآخر : هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي؟ قال : نعم، فطلباها لأنفسهما فقالت : لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان فأبيا، ثم سألاها أيضاً فأبت ففعلا، فلما استطيرت طمسها الله كوكباً وقطع أجنحتهما، ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما فقال : إن شئتما رددتكما إلى ما كنتما عليه فإذا كان يوم القيامة عذبتكما، وإن شئتما عذبتكما في الدنيا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه. فقال أحدهما لصاحبه : إن عذاب الدنيا ينقطع ويزول، فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة. فأوحى الله إليهما : أن ائتيا بابل. فانطلقا إلى بابل، فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض معذبان إلى يوم القيامة ».


الصفحة التالية
Icon