وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن عبيدالله بن عبدالله في هذه الآية. كانا ملكين من الملائكة فاهبطا ليحكما بين الناس، وذلك أن الملائكة سخروا من حكام بني آدم، فحاكمت إليهما امرأة فخافا لها، ثم ذهبا يصعدان فحيل بينهما وبين ذلك، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا.
وأخرج سعيد بن منصور عن خصيف قال : كنت مع مجاهد، فمر بنا رجل من قريش فقال له مجاهد : حدثنا ما سمعت من أبيك؟ قال : حدثني أبي : أن الملائكة حين جعلوا ينظرون إلى أعمال بني آدم وما يركبون من المعاصي الخبيثة وليس يستر الناس من الملائكة شيء، فجعل بعضهم يقول لبعض : انظروا إلى بني آدم كيف يعملون كذا وكذا ما أجرأهم على الله، يعيبونهم بذلك! فقال الله لهم : لقد سمعت الذي تقولون في بني آدم، فاختاروا منكم ملكين أهبطهما إلى الأرض، واجعل فيهما شهوة بني آدم، فاختاروا هاروت وماروت، فقالوا : يا رب ليس فينا مثلهما. فأهبطا إلى الأرض، وجعلت فيهما شهوة بني آدم، ومثلت لهما الزهرة في صورة امرأة، فلما نظرا إليها لم يتمالكا أن تناولا ما الله أعلم به، وأخذت الشهوة بأسماعهما وأبصارهما، فلما أرادا أن يطيرا إلى السماء لم يستطيعا، فأتاهما ملك فقال : إنكما قد فعلتما ما فعلتما، فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. فقال أحدهما للآخر : ماذا ترى؟! قال : أرى أن أعذب في الدنيا ثم أعذب أحبّ إليّ من أن أعذب ساعة واحدة في الآخرة، فهما معلقان منكسان في السلاسل وجعلا فتنة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن الله أفرج السماء إلى ملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم، فلما أبصروهم يعملون بالخطايا قالوا : يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقت بيدك، وأسجدت له ملائكتك، وعلمته أسماء كل شيء، يعملون بالخطايا. قال : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم. قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا، فأمِروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض، فاختاروا هاروت وماروت وأهبطا إلى الأرض، وأحل لهما ما فيها من شيء غير أنهما لا يشركا بالله شيئاً، ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فعرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها بيذخت، فلما أبصراها أراداها قالت : لا، إلا أن تشركا بالله، وتشربا الخمر، وتقتلا النفس، وتسجدا لهذا الصنم. فقالا : ما كنا لنشرك بالله شيئاً! فقال أحدهما للآخر : ارجع إليها. فقالت : لا، إلا أن تشربا الخمر، فشربا حتى ثملا، ودخل عليهما سائل فقتلاه، فلما وقعا فيما وقعا فيه أفرج الله السماء لملائكته، فقالوا : سبحانك... ! أنت أعلم. فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت، وجعلا ببابل.


الصفحة التالية
Icon