وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ﷺ « احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت ».
وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ « قال أخي عيسى : معاشر الحواريين احذروا الدنيا لا تسحركم، لهي والله أشد سحراً من هاروت وماروت، واعلموا أن الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة، وإن لكل واحدة منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة دون بني الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً الحساب ولا عمل ».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن عبدالله بن بسر المازني قال : قال رسول الله ﷺ « اتقوا الدنيا، فوالذي نفسي بيده أنها لأسحر من هاروت وماروت ».
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال : لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله قالت الملائكة في السماء : أي رب هذا العالم إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك وقد ركبوا الكفر، وقتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم. فقيل لهم : إنهم في غيب فلم يعذروهم، فقيل لهم : اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري وأنهاهما عن معصيتي. فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض وجعل بهما شهوات بني إسرائيل، وأمرا أن يعبدا الله وأن لا يشركا به شيئاً، ونهيا عن قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، فلبثا على ذلك في الأرض زماناً يحكمان بين الناس بالحق وذلك في زمان إدريس.
وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وإنها أبت عليهما فخضعا لها بالقول وأراداها على نفسها، وإنها أبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها، وإنهما سألاها عن دينها الذي هي عليه، فأخرجت لهما صنماً فقالت : هذا أعبده. فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا، فذهبا فصبرا ما شاء الله ثم أتيا عليها، فخضعا لها ما شاء الله بالقول وأراداها على نفسها، فقالت : لا، إلا أن تكونا على ما أنا عليه. فقالا : لا حاجة لنا في عبادة هذا.
فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم قالت لهما : اختارا إحدى الخلال الثلاث. إما أن تعبدا الصنم، أو تقتلا النفس، أو تشربا هذا الخمر، فقالا : كل هذا لا ينبغي وأهون الثلاثه شرب الخمر. وسقتهما الخمر حتى إذا أخذت الخمرة فيهما وقعا بها، فمر بهما إنسان وهما في ذلك، فخشيا أن يفشي عليهما فقتلاه.
فلما أن ذهب عنهما السكر عرفا ما قد وقعا فيه من الخطيئة، وأرادا أن يصعدا إلى السماء فلم يستطيعا، وكشف الغطاء فيما بينهما وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما قد وقعا فيه من الذنوب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فلما وقعا فيما وقعا فيه من الخطيئة قيل لهما : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، فقالا : أما عذاب الدنيا فينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما يعذبان «.