« يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم - أو قال - لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً فشربت وأرضعت ولدها ».
فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيتاً لله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه، وأن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائراً عائفاً فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء... ! فأرسلوا جرياً أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا قال : وأم اسماعيل عند الماء. فقالوا به : أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت : نعم، ولكن لا حق لكم في الماء، قالوا : نعم. قال ابن عباس قال النبي ﷺ « فألفى ذلك أم اسماعيل وهي تحب الأنس ».
فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب، فلمّا أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوج اسماعيل يطالع تركته فلم يجد اسماعيل، فسأل زوجته عنه... ! فقالت : خرج يبتغي لنا. ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت : نحن بشر نحن في ضيق وشدة وشكت إليه قال : إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه.
فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً فقال : هل جاءكم من أحد؟ قالت : نعم. جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة. قال : فهل أوصاك بشيء؟ قالت : نعم، أمرني أن أقرىء عليك السلام، ويقول : غير عتبة بابك. قال : ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها وتزوّج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد ذلك فلم يجده؟ فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت : خرج يبتغي لنا. قال : كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت : نحن بخير وسعة وأثنت على الله. فقال : ما طعامكم؟ قالت : اللحم. قال : فما شرابكم؟ قالت : الماء. فقال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي ﷺ « ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه. قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه » قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه.
فلما جاء اسماعيل قال : هل أتاكم من أحد؟ قالت : نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنا بخير. قال : أما أوصاك بشيء؟ قالت : نعم، وهو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال : ذاك أبي وأنت العتبة فأمرني أن أمسكك.


الصفحة التالية
Icon