قال : فهاتا بالبينة على ما تدعيان. فقام خمسة أكبش فقلن : نحن نشهد أن إسمعيل وإبراهيم عبدان مأموران أمرا ببناء هذه الكعبة. فقال : قد رضيت وسلمت ثم مضى.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن الحرم حرم بحياله إلى العرش، وذكر لنا أن البيت هبط مع آدم حين هبط قال الله له : اهبط معك بيتي يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، فطاف آدم حوله ومن كان بعده من المؤمنين، حتى إذا كان زمن الطوفان حين أغرق الله قوم نوح رفعه وطهره فلم تصبه عقوبة أهل الأرض، فتتبع منه آدم أثراً، فبناه على أساس قديم كان قبله.
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال : بني البيت من أربعة جبال. من حراء، وطورزيتا، وطورسينا، ولبنان.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن السدي قال : خرج آدم من الجنة ومعه حجر في يده وورق في الكف الآخر، فبث الورق في الهند فمنه ما ترون من الطيب، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لاسماعيل : ائتني بحجر أضعه ههنا، فأتاه بحجر من الجبل، فقال : غير هذا. فرده مراراً لا يرضى ما يأتيه به، فذهب مرة وجاء جبريل عليه السلام بحجر من الهند الذي خرج به آدم من الجنة فوضعه، فلما جاء إسمعيل قال : من جاءك بهذا؟! قال : من هو أنشط منك.
وأخرج الثعلبي قال : سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن أحمد القطان البلخي وكان عالماً بالقرآن يقول : كان إبراهيم عليه السلام يتكلم بالسريانية، وإسماعيل عليه السلام يتكلم بالعربية، وكل واحد منهما يعرف ما يقول صاحبه ولا يمكنه التفوّه به، فكان إبراهيم يقول لإِسماعيل : هل لي كثيباً - يعني ناولني حجراً - ويقول له إسمعيل : هاك الحجر فخذه. قال : فبقي موضع حجر فذهب إسماعيل يبغيه، فجاء جبريل عليه السلام بحجر من السماء، فأتى إسماعيل وقد ركب إبراهيم الحجر في موضعه فقال : يا أبت من أتاك بهذا؟! قال : أتاني من لم يتكل على بنائك، فأتما البيت. فذلك قوله تعالى ﴿ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ﴾.
وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال « لما بلغ رسول الله ﷺ الحلم أجمرت امرأة الكعبة، فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها، حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه، فقالوا : تعالوا نحكم أول من يطلع علينا. فطلع رسول الله ﷺ وهو غلام عليه وشاح نمرة، فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب، ثم أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه، ثم طفق لا يزداد على الألسن إلا رضي حتى دعوه الأمين قبل أن ينزل عليه الوحي، فطفقوا لا ينحرون جزوراً إلا التمسوه فيدعو لهم فيها ».


الصفحة التالية
Icon