﴿ وإذ بوأنا لإِبراهيم مكان البيت ﴾ [ الحج : ٢٦ ] للغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد، فلم يزل يحمد الله مذ رفعه الله معموراً.
قال وهب بن منبه : وقرأت في كتاب من كتب الأول ذكر فيه أمر الكعبة، فوجد فيه أن ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض إلا أمره بزيارة البيت، فينقض من عند العرش محرماً ملبياً حتى يستلم الحجر، ثم يطوف سبعاً بالبيت ويصلي في جوفه ركعتين، ثم يصعد.
وأخرج الجندي في فضائل مكة عن وهب بن منبه قال : ما بعث الله ملكاً قط ولا سحابة، فيمر حيث بعث حتى يطوف بالبيت ثم يمضي حيث أمر.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ « بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فقال لهما : ابنيا بيتاً. فخط لهما جبريل، فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته : حسبك يا آدم. فلما بنياه أوحى الله إليه : أن يطوف به، وقيل له : أنت أول الناس وهذا أول بيت، ثم تناسخت القرون حتى حجة نوح، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه ».
وأخرج ابن إسحاق والأزرقي والبيهقي في الدلائل عن عروة قال : ما من نبي إلا وقد حج البيت إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح فلما كان في الأرض ما كان من الغرق أصاب البيت ما أصاب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء فبعث الله تعالى هوداً، فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه، فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله لإِبراهيم عليه السلام حجه، ثم لم يبق نبي بعده إلا حجه.
وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال : حج البيت سبعون نبياً، منهم موسى بن عمران عليه عباءتان قطوانيتان، ومنهم يونس يقول : لبيك كاشف الكرب.
وأخرج الأزرقي وأبو الشيخ في العظمة وابن عساكر عن ابن عباس قال : لما أهبط الله آدم إلى الأرض من الجنة كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، وهو مثل الفلك من رعدته، فطأطأ الله منه إلى ستين ذراعاً فقال : يا رب ما لي لا أسمع أصوات الملائكة ولا حسهم؟ قال : خطيئتك يا آدم ولكن اذهب فابن لي بيتاً فطف به، واذكرني حوله كنحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي، فأقبل آدم يتخطى فطويت له الأرض، وقبض الله له المفاوز فصارت كل مفازة يمر بها خطوة، وقبض الله ما كان فيها من مخاض أو بحر، فجعله له خطوة ولم يقع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمراناً وبركة، حتى انتهى إلى مكة فبنى البيت الحرام، وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحه الأرض، فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة، فقذفت فيه الملائكة الصخر، ما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلاً، وأنه بناه من خمسة أجبل : من لبنان، وطورزيتا، وطورسينا، والجودي، وحراء، حتى استوى على وجه الأرض، فكان أول من أسس البيت وصلى فيه وطاف به آدم عليه السلام، حتى بعث الله الطوفان فكان غضباً ورجساً، فحيثما انتهى الطوفان ذهب ريح آدم عليه السلام، ولم يقرب الطوفان أرض السند والهند، فدرس موضعه الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فرفعا قواعده وأعلامه، ثم بنته قريش بعد ذلك وهو بحذاء البيت المعمور، لو سقط ما سقط إلا عليه.