وأخرج البيهقي عن عطاء قال : أهبط آدم بالهند فقال : يا رب ما لي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟! فقال له : لخطيئتك يا آدم، فانطلق فابن لي بيتاً فتطوّف به كما رأيتهم يتطوّفون. فانطلق حتى أتى مكة فبنى البيت، فكان موضع قدمي آدم قرى وأنهاراً وعمارة وما بين خطاه مفاوز، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة.
وأخرج البيهقي عن وهب بن منبه قال : لما تاب الله على آدم وأمره أن يسير إلى مكة فطوى له الأرض حتى انتهى إلى مكّة، فلقيته الملائكة بالأبطح فرحبت به وقالت له : يا آدم إنا لننظرك برّ حجك، أما إنَّا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، وأمر الله جبريل فعلمه المناسك والمشاعر كلها، وانطلق به حتى أوقفه في عرفات والمزدلفة وبمنى وعلى الجمار، وأنزل عليه الصلاة والزكاة والصوم والاغتسال من الجنابة. قال : وكان البيت على عهد آدم ياقوتة حمراء يلتهب نوراً من ياقوت الجنة، لها بابان شرقي وغربي من ذهب من تبر الجنة، وكان فيها ثلاث قناديل من تبر الجنة، فيها نور يلتهب بابها بنجوم من ياقوت أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومها ياقوتة بيضاء، فلم يزل على ذلك حتى كان في زمان نوح وكان الغرق، فرفع من الغرق فوضع تحت العرش ومكثت الأرض خراباً ألفي سنة.
فلم يزل على ذلك حتى كان إبراهيم فأمره أن يبني بيتي، فجاءت السكينة كأنها سحابة فيها رأس تتكلم، لها وجه كوجه الإِنسان، فقالت : يا إبراهيم خذ قدر ظلي فابن عليه لا تزد شيئاً ولا تنقص. فأخذ إبراهيم قدر ظلها ثم بنى هو وإسمعيل البيت، ولم يجعل له سقفاً فكان الناس يلقون فيه الحلي والمتاع، حتى إذا كاد أن يمتلئ أنفذ له خمس نفر ليسرقوا ما فيه، فقام كل واحد على زاوية واقتحم الخامس فسقط على رأسه فهلك، وبعث الله عند ذلك حية بيضاء سوداء الرأس والذنب، فحرست البيت خمسمائة عام لا يقربه أحد إلا أهلكته، فلم يزل كذلك حتى بنته قريش.
وأخرج الأزرقي والبيهقي عن عطاء. أن عمر بن الخطاب سأل كعباً فقال أخبرني عن هذا البيت ما كان أمره؟ فقال : إن هذا البيت أنزله الله من السماء ياقوتة حمراء مجوّفة مع آدم، فقال : يا آدم إن هذا بيتي فطف حوله وصلِّ حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلي، ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة، ثم وضع البيت على القواعد، فلما أغرق الله قوم نوح رفعه الله إلى السماء وبقيت قواعده.


الصفحة التالية
Icon