فلما نفخ الله فيه من روحه أتت النفخة من قبل رأسه، فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحماً ودماً، فلما انتهت النفخة إلى سرَّته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده، فذهب لينهض فلم يقدر. فهو قول الله ﴿ خلق الإِنسان من عجل ﴾.
فلما تممت النفخة في جسده عطس فقال ﴿ الحمد لله رب العالمين ﴾ بإلهام من الله فقال الله له « يرحمك الله يا آدم »، ثم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات :﴿ اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر ﴾ لما حدث في نفسه من الكبر فقال : لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سناً، وأقوى خلقاً، فأبلسه الله وآيسه من الخير كله، وجعله شيطاناً رجيماً.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي العالية قال : إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن. فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض. فمن ثم قالوا ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ﴾.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : لما خلق الله النار ذعرت منها الملائكة ذعراً شديداً وقالوا : ربنا لم خلقت هذه؟ قال : لمن عصاني من خلقي ولم يكن لله خلق يومئذ إلا الملائكة قالوا : يا رب ويأتي علينا دهر نعصيك فيه؟ قال : لا. إني أريد أن أخلق في الأرض خلقاً، وأجعل فيها خليفة يسفكون الدماء، ويفسدون في الأرض قالوا ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾ فاجعلنا نحن فيها ﴿ فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة. لما فرغ الله من خلق ما أحب، استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا. وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وإنما سموا الجن لأنهم خزائن الجنة، وكان إبليس مع ملكه خازناً، فوقع في صدره كبر وقال : ما أعطاني الله هذا إلا لمزيد أو لمزية لي، فاطلع الله على ذلك منه فقال للملائكة ﴿ إني جاعل في الأرض خليفة ﴾ قالوا ربنا ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء... قال إني أعلم ما لا تعلمون ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وإذ قال ربك للملائكة.... ﴾ الآية. قال : إن الله قال للملائكة : إني خالق بشراً، وإنهم متحاسدون فيقتل بعضهم بعضاً ويفسدون في الأرض.
فلذلك قالوا ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾ قال : وكان إبليس أميراً على ملائكة سماء الدنيا، فاستكبروهمَّ بالمعصية وطغى، فعلم الله ذلك منه. فذلك قوله ﴿ إني أعلم ما لا تعلمون ﴾ وإن في نفس إبليس بغياً.


الصفحة التالية
Icon