وأخرج أبو نصر السجزي في الإِبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس أن رجلاً من بني تميم كان جريئاً على الليل والرجال، وأنه سار ليلة فنزل في أرض مجنة، فاستوحش، فعقل راحلته، ثم توسد ذراعيها وقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر أهله، فأجاره شيخ منهم، وكان منهم شاب وكان سيداً في الجن، فغضب الشاب لما أجاره الشيخ، فأخذ حربة له قد سقاها السم لينحر ناقة الرجل بها فتلقاه الشيخ دون الناقة فقال :
يا مالك بن مهلهل... مهلاً فذلك محجري وإزاري
عن ناقة الإِنسان لا تعرض لها... واختر إذا ورد المها أثواري
إني ضمنت له سلامة رحله... فاكفف يمينك راشداً عن جاري
ولقد أتيت إلى ما لم أحتسب... إلا رعيت قرابتي وجواري
تسعى إليه بحربة مسمومة... أفّ لقربك يا أبا اليقطاري
لولا الحياء وان أهلك جيرة... لتمزقتك بقوة أظفاري
فقال له الفتى :
أتريد أن تعلوا وتخفض ذكرنا... في غير مزرية أبا العيزار
متنحلاً أمراً لغيرك فضله... فارحل فإن المجد للمرار
من كان منكم سيداً فيما مضى... إن الخيار هم بنو الأخيار
فاقصد لقصدك يا معيكر إنما... كان المجير مهلهل بن وبار
فقال الشيخ : صدقت كان أبوك سيدنا وأفضلنا، دع هذا الرجل لا أنازعك بعده أحداً، فتركه، فأتى الرجل النبي ﷺ فقص عليه القصة، فقال رسول الله ﷺ :« إذا أصاب أحداً منكم وحشة، أو نزل بأرض مجنة فليقل : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن فتن الليل، ومن طوارق النهار إلا طارقاً يطرق بخير » فأنزل الله في ذلك ﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ﴾ قال أبو نصر : غريب جداً لم نكتبه إلا من هذا الوجه.
وأخرج الخرائطي في كتاب الهواتف عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أن رجلاً من بني تميم يقال له : رافع بن عمير حدث عن بدء إسلامه قال : إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذا غلبني النوم فنزلت عن راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي فقلت : أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت رجلاً في منامي بيده حربة يريد أن يضعها في نحر ناقتي، فانتبهت فزعاً فنظرت يميناً وشمالاً فلم أر شيئاً، فقلت : هذا حلم. ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أر شيئاً، فإذا ناقتي ترعد.