ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب، والتفتّ فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيته في المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها فبينما هما يتنازعان، إذ طلعت ثلاثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى : قم فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الإِنسي. فقام الفتى فأخذ منها ثوراً عظيماً وانصرف، ثم التفت إلى الشيخ وقال : يا هذا إذا نزلت وادياً من الأودية فخفت هوله فقل : أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي، ولا تعذ بأحد من الجن، فقد بطل أمرها. فقلت له : ومن محمد هذا؟ قال : نبي عربي لا شرقي ولا غربي بعث يوم الأثنين. قلت : فأين مسكنه؟ قال : يثرب ذات النخل. فركبت راحلتي حين برق الصبح وجددت السير حتى أتيت المدينة، فرآني رسول الله ﷺ، فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له منه شيئاً ودعاني إلى الإِسلام فأسلمت. قال سعيد بن جبير رضي الله عنه : وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه ﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن ﴾ قال : كان رجال من الإِنس يبيت أحدهم في الجاهلية بالوادي فيقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي ﴿ فزادوهم رهقاً ﴾ قال : إثماً.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن في قوله :﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن ﴾ قال : كان أحدهم إذا نزل الوادي يقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيأمن في نفسه ليلته أو يومه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله :﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن ﴾ قال : كانوا يقولون إذا هبطوا وادياً : نعوذ بعظيم هذا الوادي ﴿ فزادوهم رهقاً ﴾ قال : زادوا الكفار طغياناً.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله :﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن ﴾ قال : كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلاً قالوا : نعوذ بعزيز هذا المكان ﴿ فزادوهم رهقاً ﴾ يقول : خطيئة وإثماً.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم ﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ﴾ قال : كان القوم إذا نزلوا وادياً قالوا : نعوذ بسيد أهل هذا الوادي فقالوا : نحن لا نملك لنا ولا لكم ضراً ولا نفعاً، وهؤلاء يخافونا فاحتووا عليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس ﴿ وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ﴾ قال : كانوا يقولون : فلان رب هذا الوادي من الجن، فكان أحدهم إذا دخل ذلك الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله، فيزيده بذلك ﴿ رهقاً ﴾ أي خوفاً.


الصفحة التالية
Icon