وأخرج عبد بن حميد عن سلمة بن كهيل قال : ذكروا أصحاب الأخدود عند عليّ فقال : أما إن فيكم مثلهم فلا تكونن أعجز من قوم.
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب قال : كان المجوس أهل كتاب، وكانوا مستمسكين بكتابهم، وكانت الخمر قد أحلت لهم، فتناول منها ملك من ملوكهم فغلبته على عقله، فتناول أخته أو ابنته فوقع عليها، فلما ذهب عنه السكر ندم، وقال لها : ويحك ما هذا الذي أتيت؟ وما المخرج منه؟ قالت : المخرج منه أن تخطب الناس فتقول أيها الناس إن الله قد أحل لكم نكاح الأخوات والبنات، فإذا ذهب ذا في الناس وتناسوه خطبتهم فحرمته، فقام خطيباً فقال : يا أيها الناس إن الله أحل لكم نكاح الأخوات أو البنات، فقال الناس جماعتهم : معاذ الله أن نؤمن بهذا أو نقر به، أو جاءنا به نبي، أو نزل علينا في كتاب، فرجع إلى صاحبته فقال : ويحك إن الناس قد أبوا عليّ ذلك. قالت : إذا أبوا عليك ذلك فابسط فيهم السوط، فبسط فيهم السوط، فأبوا أن يقروا، فرجع إليها فقال : قد بسطت فيهم السوط فأبوا أن يقروا. قالت : فجرد فيهم السيف، فجرد فيهم السيف، فأبوا أن يقروا. قالت : خدّ لهم الأخدود، ثم أوقد فيه النيران فمن تابعك فخلّ عنه. فخدَّ لهم أخدوداً وأوقد فيه النيران، وعرض أهل مملكته على ذلك، فمن أبى قذفه في النار، ومن لم يأب خلّى عنه، فأنزل الله فيهم ﴿ قتل أصحاب الأخدود ﴾ إلىقوله :﴿ ولهم عذاب الحريق ﴾.
أخرج ابن أبي شيبة عن عوف قال : كان رسول الله ﷺ إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والنسائي والترمذي عن صهيب قال : كان رسول الله ﷺ إذا صلى العصر همس، فقيل له : إنك يا رسول الله إذا صليت العصر همست، فقال :« إن نبياً من الأنبياء كان أعجب بأمته، فقال : من يقوم لهؤلاء فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن ينتقم منهم، وبين أن يسلط عليهم عدوهم، فاختاروا النقمة، فسلط عليهم الموت فمات منهم في يوم سبعون ألفاً قال : وكان إذا حدث بهذا الحديث الآخر قال : كان ملك من الملوك، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال له ذلك الكاهن : انظروا إلى غلاماً فهماً أو قال : فطناً لقناً فأعلمه علمي هذا، فإني أخاف أن أموت فينقطع هذا العلم منكم، ولا يكون فيكم من يعلمه قال : فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وإن يختلف إليه، فجعل الغلام يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعته، فجعل الغلام يسأل الراهب كلما مر به، فلم يزل به حتى أخبره، فقال : إنما أعبد الله، فجعل الغلام يمكث عند الراهب ويبطيء على الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني، فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب : إذا قال لك : أين كنت؟ فقل : عند أهلي، وإذا قال لك أهلك : أين كنت؟ فقل : عند الكاهن. فبينما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثيرة قد حبستهم دابة يقال كانت أسداً، فأخذ الغلام حجراً فقال : اللهم إن كان ما يقول الراهب حقاً فأسألك أن أقتل هذه الدابة، وإن كان ما يقوله الكاهن حقاً فأسألك أن لا أقتلها، ثم رمى فقتل الدابة فقال الناس : من قتلها؟ فقالوا : الغلام. ففزع الناس وقالوا : قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد، فسمع أعمى فجاءه، فقال له : إن أنت رددت بصري فلك كذا وكذا، فقال الغلام : لا أريد منك هذا ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك؟ قال : نعم، فدعا الله فرد عليه بصره فآمن الأعمى فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم، فأتى بهم فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه، فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه. فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا به إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع الغلام فأمر الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلق به إلى البحر، فغرق الله الذين كانوا معه، وأنجاه الله. فقال الغلام للملك : إنك لا تقتلني إلا أن تصلبني وترميني وتقول : بسم الله رب الغلام، فأمر به فصلب ثم رماه وقال : بسم الله رب الغلام، فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي ثم مات. فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علماً ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام، فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك؟ قال : فخدّ أخدوداً ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه، ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار. فجعل يلقيهم في تلك الأخدود فقال : يقول الله :﴿ قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾ فأما الغلام فإنه دفن ثم أخرج »


الصفحة التالية
Icon