فانطلقوا حتى إذا كانوا قريباً من المدينة قال لهما شمعون : ادخلا المدينة فبَلَّغا ما أُمِرْتُمَا، وأنا مقيم مكاني، فإن ابتليتما أقبلت لكما. فانطلقا حتى دخلا المدينة وقد تحدث الناس بأمر عيسى، وهم يقولون فيه أقبح القول وفي أمه. فنادى أحدهما وهو الأول : ألا أن عيسى عبدالله ورسوله، فوثبوا إليهما من القائل أنْ عيسى عبدالله ورسوله؟ فتبرأ الذي نادى فقال : ما قلت شيئاً فقال الآخر : قد قلت وأنا أقول : إن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه فآمنوا به يا معشر بني إسرائيل خيراً لكم، فانطلقوا به إلى ملكهم وكان جباراً طاغياً فقال له : ويلك ما تقول؟! قال : أقول : إن عيسى عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه. قال : كذبت. فقذفوا عيسى وأمه بالبهتان ثم قال له : تبرأ ويلك من عيسى وقل فيه مقالتنا. قال : لا أفعل. قال : إن لم تفعل قطعت يديك ورجليك، وسمرت عينيك. فقال : افعل بنا ما أنت فاعل. ففعل به ذلك فألقاه على مزبلة في وسط مدينتهم.
ثم أن الملك هم أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع الناس فقال لهم : ما بال هذا المسكين؟ قالوا : يزعم أن عيسى عبدالله ورسوله فقال شمعون : أيها الملك أتأذن لي فادنو منه فاسأله؟ قال : نعم. قال له شمعون : أيها المبتلى ما تقول؟ قال : أقول ان عيسى عبدالله ورسوله. قال : فما آية تعرفه؟ قال ﴿ يبرئ الأكمه والأبرص ﴾ والسقيم. قال : هذا يفعله الأطباء فهل غيره؟ قال : نعم ﴿ يخبركم بما تأكلون وما تدخرون ﴾ قال : هذا تفعله الكهنة فهل غير هذا؟ قال : نعم ﴿ يخلق من الطين كهيئة الطير ﴾ قال : هذا قد تفعله السحرة يكون أخذه منهم. فجعل الملك يتعجب منه وسؤاله. قال : هل غير هذا؟ قال : نعم. ﴿ يحيي الموتى ﴾.
قال : أيها الملك إنه ذكر أمراً عظيماً وما أظن خلقاً يقدر على ذلك إلا بإذن الله، ولا يقضي الله ذلك على يد ساحر كذاب، فإن لم يكن عيسى رسولاً فلا يقدر على ذلك، وما فعل الله ذلك لأحد إلا لإبراهيم حين سأل ربه ﴿ أرني كيف تحيي الموتى ﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ] ومن مثل إبراهيم خليل الرحمن.
وأخرج ابن جرير عن السدي وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس قال : لما بعث الله عيسى عليه السلام وأمره بالدعوة لقيه بنو إسرائيل فأخرجوه، فخرج هو وأمه يسيحون في الأرض، فنزلوا في قرية على رجل، فأضافهم وأحسن إليهم، وكان لتلك المدينة ملك جبار، فجاء ذلك الرجل يوماً حزيناً، فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها : ما شأن زوجك أراه حزيناً؟ قالت : إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً يطعمه هو وجنوده ويسقيهم الخمر، فإن لم تفعل عاقبه، وإنه قد بلغت نوبته اليوم وليس عندنا سعة قالت : قولي له فلا يهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك.