قالت مريم لعيسى في ذلك. فقال عيسى : يا أماه إني إنْ فعلت كان في ذلك شر قالت : لا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا. قال عيسى : قولي له املأ قدورك وخوابيك ماء. فملأهن فدعا الله تعالى، فتحوّل ما في القدور لحماً، ومرقاً، وخبزاً، وما في الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط. فلما جاءه الملك أكل منه، فلما شرب الخمر قال : من أين لك هذا الخمر؟! قال : هو من أرض كذا وكذا... قال الملك : فإن خمري أوتى به من تلك الأرض فليس هو مثل هذا! قال : هو من أرض أخرى. فلما خلط على الملك اشتد عليه فقال : إني أخبرك... عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه، وإنه دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً فقال له الملك : وكان له ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل بأيام، وكان أحب الخلق إليه فقال : إن رجلا دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً ليستجابن له يحيي ابني.
فدعا عيسى فكلمه وسأله ان يدعو الله أن يحيي ابنه فقال عيسى : لا تفعل فإنه ان عاش كان شراً قال الملك : لست أبالي أراه فلا أبالي ما كان قال عيسى عليه السلام : فإني حييته تتركوني أنا وأمي نذهب حيث نشاء؟ فقال الملك : نعم. فدعا الله فعاش الغلام. فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا : أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه. فاقتتلوا وذهب عيسى وأمه وصحبهما يهودي، وكان مع اليهودي رغيفان، ومع عيسى رغيف. فقال له عيسى : تشاركني؟ فقال اليهودي : نعم. فلما رأى أنه ليس مع عيسى عليه السلام إلا رغيف ندم، فلما ناما جعل اليهودي يريد أن يأكل الرغيف. فيأكل لقمة فيقول له عيسى : ما تصنع؟ فيقول له : لا شيء... حتى فرغ من الرغيف.
فلما أصبحا قال له عيسى : هلم بطعامك، فجاء برغيف فقال له عيسى : أين الرغيف الآخر؟ قال : ما كان معي إلا واحد. فسكت عنه وانطلقوا، فمروا براعي غنم فنادى عيسى : يا صاحب الغنم أجزرنا شاة من غنمك. قال : نعم. فأعطاه شاة فذبحها وشواها، ثم قال لليهودي : كل ولا تكسر عظماً. فأكلا فلما شبعوا قذف عيسى العظام في الجلد ثم ضربها بعصاه وقال : قومي بإذن الله. فقامت الشاة تثغو فقال : يا صاحب الغنم خذ شاتك فقال له الراعي : من أنت؟! قال : أنا عيسى ابن مريم قال : أنت الساحر؟ وفر منه.
قال عيسى لليهودي : بالذي أحيا هذه الشاة بعدما أكلناها كم كان معك من الأرغفة أو - كم رغيف كان معك - فحلف ما كان معه إلا رغيف واحد.