فأنزل الله هذه الآية ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ﴾ إلى قوله ﴿ فنجعل لعنة الله على الكاذبين ﴾ فأبوا أن يقروا بذلك.
فلما أصبح رسول الله ﷺ الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلة له، وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة، وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه : إني أرى أمراً مقبلاً ان كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه لا يبقي على الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له : ما رأيك؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً. فقالا له : أنت وذاك. فتلقى شرحبيل رسول الله ﷺ فقال : إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك قال : وما هو؟ قال : حكمك اليوم إلى الليل، وليلتك إلى الصباح، فمهما حكمت فينا فهو جائز. فرجع رسول الله ﷺ ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية «.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة » أن العاقب، والسيد، أتيا رسول الله ﷺ فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه فوالله لئن كان نبياً فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالوا له : نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلاً أميناً فقال : قم يا أبا عبيدة. فلما وقف قال : هذا أمين هذه الأمة «.
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال » قدم على النبي ﷺ العاقب، والسيد، فدعاهما إلى الإِسلام فقالا : أسلمنا يا محمد قال : كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإِسلام. قالا : فهات. قال : حب الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، قال جابر : فدعاهما إلى الملاعنة، فوعداه إلى الغد، فغدا رسول الله ﷺ، وأخذ بيد علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه، وأقرا له، فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً. قال جابر : فيهم نزلت ﴿ تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم... ﴾ الآية. قال جابر : أنفسنا وأنفسكم رسول الله ﷺ وعلي، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة «.
وأخرج الحاكم وصححه عن جابر » أن وفد نجران أتوا النبي فقالوا : ما تقول في عيسى؟ فقال : هو روح الله، وكلمته، وعبد الله، ورسوله، قالوا له : هل لك أن نلاعنك أنه ليس كذلك؟ قال : وذاك أحب إليكم؟ قالوا : نعم. قال : فإذا شئتم. فجاء وجمع ولده الحسن والحسين، فقال رئيسهم : لا تلاعنوا هذا الرجل فوالله لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين فجاؤوا فقالوا : يا أبا القاسم إنما أراد أن يلاعنك سفهاؤنا، وإنا نحب أن تعفينا. قال قد أعفيتكم ثم قال : إن العذاب قد أظل نجران «.