قال قتادة : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله ﷺ في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله ﷺ، فقال : الله المستعان... فلم نلبث أن نزل القرآن ﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً ﴾ لبني أبيرق ﴿ واستغفر الله ﴾ أي مما قلت لقتادة ﴿ إن الله كان غفوراً رحيماً، ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ﴾ إلى قوله ﴿ ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ﴾ أي أنهم لو استغفروا الله لغفر لهم ﴿ ومن يكسب إثماً ﴾ إلى قوله ﴿ فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً ﴾ قولهم للبيد ﴿ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ﴾ يعني أسير بن عروة وأصحابه إلى قوله ﴿ فسيؤتيه أجراً عظيماً ﴾.
فلما نزل القرآن أتى رسول الله ﷺ بالسلاح فرده إلى رفاعة. قال قتادة : فلما أتيت عمي بالسلاح - وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً - فلما أتيته بالسلاح قال : يا ابن أخي هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد، فأنزل الله ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ﴾ [ النساء : ١١٥ ] إلى قوله ﴿ ضلالاً بعيداً ﴾ [ النساء : ١١٦ ] فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت فرمت به في الأبطح، ثم قالت أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير «.
وأخرج ابن سعد عن محمود بن لبيد قال :»
عدا بشير بن الحارث على علية رفاعة بن زيد عم قتادة بن النعمان الظفري فنقبها من ظهرها وأخذ طعاماً له ودرعين بأداتهما، فأتى قتادة بن النعمان النبي ﷺ فأخبره بذلك، فدعا بشيراً فسأله، فأنكر ورمى بذلك لبيد بن سهل رجلاً من أهل الدار ذا حسب ونسب، فنزل القرآن بتكذيب بشير وبراءة لبيد بن سهل قوله ﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ﴾ إلى قوله ﴿ ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ﴾ يعني بشير بن أبيرق ﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً ﴾ يعني لبيد بن سهل حين رماه بنو أبيرق بالسرقة، فلما نزل القرآن في بشير وعثر عليه هرب إلى مكة مرتداً كافراً، فنزل على سلافة بنت سعد بن الشهيد، فجعل يقع في النبي ﷺ وفي المسلمين، فنزل القرآن فيه، وهجاه حسان بن ثابت حتى رجع وكان ذلك في شهر ربيع سنة أربع من الهجرة «.


الصفحة التالية
Icon