وأخرج ابن سعد من وجه آخر عن محمود بن لبيد قال : كان أسير بن عروة رجلاً منطيقاً ظريفاً بليغاً حلواً، فسمع بما قال قتادة بن النعمان في بني أبيرق للنبي ﷺ، حين اتهمهم بنقب علية عمه وأخذ طعامه والدرعين، فأتى أسير رسول الله ﷺ في جماعة جمعهم من قومه، فقال :« إن قتادة وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل حسب ونسب وصلاح، يؤنبونهم بالقبيح، ويقولون لهم ما لا ينبغي بغير ثبت ولا بينة، فوضع لهم عند رسول الله ﷺ ما شاء ثم انصرف، فأقبل بعد ذلك قتادة إلى رسول الله ﷺ ليكلمه، فجبهه رسول الله ﷺ جبهاً شديداً منكراً، وقال :» بئسما صنعت، وبئسما مشيت فيه. فقام قتادة وهو يقول : لوددت أني خرجت من أهلي ومالي، وأني لم أكلم رسول الله ﷺ في شيء من أمرهم، وما أنا بعائد في شيء من ذلك. فأنزل الله على نبيه في شأنهم ﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب ﴾ إلى قوله ﴿ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ﴾ يعني أسير بن عروة وأصحابه ﴿ إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً ﴾ «.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ﴿ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ﴾ إلى قوله ﴿ ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله ﴾ فيما بين ذلك في طعمة بن أبيرق درعه من حديد التي سرق، وقال أصحابه من المؤمنين للنبي ﷺ : اعذره في الناس بلسانك، ورموا بالدرع رجلاً من يهود بريئاً.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآيات أنزلت في شأن طعمة بن أبيرق، وفيما هم به نبي ﷺ من عذره، فبين الله شأن طعمة بن أبيرق، ووعظ نبيه ﷺ، وحذره أن يكون للخائنين خصيماً، وكان طعمة بن أبيرق رجلاً من الأنصار، ثم أحد بني ظفر سرق درعاً لعمه كانت وديعة عندهم، ثم قدمها على يهودي كان يغشاهم، يقال له زيد بن السمين، فجاء اليهودي إلى النبي ﷺ يهتف، فلما رأى ذلك قومه بنو ظفر، جاءوا إلى نبي الله ﷺ ليعذروا صاحبهم، وكان نبي الله قد هم بعذره حتى أنزل الله في شأنه ما أنزل، فقال ﴿ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ﴾ إلى قوله ﴿ يرم به بريئاً ﴾ وكان طعمة قذف بها بريئاً، فلما بين الله شأن طعمة نافق ولحق بالمشركين، فأنزل الله في شأنه