وأخرج ابن عساكر عن عبد الجبار بن عبد الله بن سليمان قال : أقبل عيسى ابن مريم على أصحابه ليلة رفع فقال لهم : لا تأكلوا بكتاب الله أجراً فانكم إن لم تفعلوا أقعدكم الله على منابر الحجر منها خير من الدنيا وما فيها. قال عبد الجبار : وهي المقاعد التي ذكر الله في القرآن ﴿ في مقعد صدق عند مليك مقتدر ﴾ [ القمر : ٥٥ ] ورفع عليه السلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن وهب بن منبه قال : إن عيسى لما أعلمه الله أنه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه، فدعا الحواريين فصنع لهم طعاماً، فقال : احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة، فلما اجتمعوا إليه من الليلة عَشَّاهُم وقام يحدثهم، فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضيهم بيده ويمسح أيديهم بثيابه، فتعاظموا ذلك وتكارموه فقال : ألا من رد عليَّ شيئاً الليلة مما أصنع فليس مني ولا أنا منه، فأقروه حتى فرغ من ذلك قال : أما ما صنعت بكم الليلة مما خدمتكم فلا يتعظم بعضكم على بعض، وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكم، وأما حاجتي التي استعنتكم عليها، فتدعون لي الله وتجتهدون في الدعاء أن يؤخِّر أجلي، فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا دعاء، فجعل يوقظهم ويقول : سبحان الله.. ! ما تصبرون لي ليلة واحدة تعينونني فيها؟ قالوا : والله ما ندري ما كنا لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمراً، وما نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه، فقال : يذهب بالراعي وتتفرق الغنم، وجعل يأتي بكلام نحو هذا ينعي به نفسه، ثم قال : الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات، وليبيعنني أحدكم بدراهم يسيرة، وليأكلن ثمني، فخرجوا وتفرقوا وكانت اليهود تطلبه، فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا : هذا من أصحابه. فجحد وقال : ما أنا بصاحبه فتركوه، ثم أخذه آخرون كذلك، ثم سمع صوت ديك فبكى وأحزنه فلما أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال : ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح؟ فجعلوا له ثلاثين درهماً، فأخذها ودلهم عليه وكان شبِّه عليهم قبل ذلك، فأخذوه واستوثقوا منه وربطوه بالحبل، فجعلوا يقودونه ويقولون : أنت كنت تحيي الميت، وتبرئ المجنون، أفلا تخلِّص نفسك من هذا الحبل؟ ويبصقون عليه، ويلقون عليه الشوك، حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله إليه وصلبوا ما شُبِّه لهم، فمكث سبعاً.
ثم إن أمه والمرأة التي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان حيث المصلوب، فجاءهما عيسى فقال : علام تبكيان؟! قالتا عليك. قال : إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير، وإن هذا شيء شبِّه لهم، فأمروا الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا، فألقوه إلى ذلك المكان أحد عشر، وقعد الذي كان باعه ودل عليه اليهود، فسأل عنه أصحابه فقالوا : إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل قال : لو تاب تاب الله عليه، ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له يحنا؟ فقال : هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدث بلغة فليتدبرهم وليدعهم.


الصفحة التالية
Icon