وأخرج ابن المنذر عن وهب بن منبه قال : إن عيسى عليه السلام كان سياحاً فمر على امرأة تستقي، فقال : اسقيني من مائك الذي من شرب منه مات وأسقيك من مائي الذي من شرب منه حيي؟ قال : وصادف امرأة حكيمة فقالت له : أما تكتفي بمائك الذي من شرب منه حيي عن مائي الذي من شرب منه مات؟ قال : إن ماءك عاجل ومائي آجل. قالت : لعلك هذا الرجل الذي يقال له عيسى ابن مريم؟ قال : فإني أنا هو، وأنا أدعوك إلى عبادة الله وترك ما تعبدين من دون الله تعالى. قالت : فأتني على ما تقول ببرهان؟ قال : برهان ذلك أن ترجعي إلى زوجك فيطلقك. قالت : إن في هذا لآية بينة، ما في بني إسرائيل امرأة أكرم على زوجها مني، ولئن كان كما تقول إني لأعرف أنك صادق. قال : فرجعت إلى زوجها، وزوجها شاب غيور فقال : ما بَطُؤ بِكِ؟ قالت : مر علي رجل فأرادت أن تخبره عن عيسى، فاحتملته الغيرة فطلقها، فقالت : لقد صدقني صاحبي.
فخرجت تتبع عيسى وقد آمنت به، فأتى عيسى ومعه سبعة وعشرون من الحواريين في بيت وأحاطوا بهم، فدخلوا عليهم وقد صوّرهم الله على صورة عيسى، فقالوا : قد سحرتمونا؟ لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً، فقال عيسى لأصحابه : من يشتري منكم نفسه بالجنة؟ فقال رجل من القوم : أنا. فأخذوه فقتلوه وصلبوه، فمن ثم شُبِّه لهم وظنوا أنهم قد قتلوا عيسى وصلبوه، فظنت النصارى مثل ذلك، ورفع الله عيسى من يومه ذلك.
فبلغ المرأة أن عيسى قد قتل وصلب، فجاءت حتى بنت مسجداً إلى أصل شجرته، فجعلت تصلي وتبكي على عيسى، فسمعت صوتاً من فوقها صوت عيسى لا تنكره : أي فلانة إنهم والله ما قتلوني وما صلبوني ولكن شُبِّه لهم، وآية ذلك أن الحواريين يجتمعون الليلة في بيتك، فيفترقون اثنتي عشرة فرقة كل فرقة منهم تدعو قوماً إلى دين الله، فلما أمسوا اجتمعوا في بيتها، فقالت لهم : إني سمعت الليلة شيئاً أحدِّثكم به وعسى أن تكذبوني وهو الحق، سمعت صوت عيسى وهو يقول : يا فلانة إني والله ما قتلت ولا صلبت، وآية ذلك أنكم تجتمعون الليلة في بيتي، فتفترقون اثنتي عشرة فرقة، فقالوا : إن الذي سمعت كما سمعت، فإن عيسى لم يقتل ولم يصلب إنما قتل فلان وصلب، وما اجتمعنا في بيتك إلا لما قال، نريد أن نخرج دعاة في الأرض، فكان ممن توجه إلى الروم نسطور وصاحبان له، فأما صاحباه فخرجا، وأما نسطور فحبسته حاجة له فقال لهما : ارفقا ولا تخرقا ولا تستبطئاني في شيء، فلما قدما الكورة التي أرادا قدما في يوم عيدهم، وقد برز ملكهم وبرز معه أهل مملكته، فأتاه الرجلان فقاما بين يديه، فقالا له : اتق الله فإنكم تعملون بمعاصي الله وتنتهكون حرم الله مع ما شاء الله أن يقولا.