قال : فأسف الملك وهمَّ بقتلهما، فقام إليه نفر من أهل مملكته فقالوا : إن هذا يوم لا تهرق فيه دما، وقد ظفرت بصاحبيك فإن أحببت أن تحبسهما حتى يمضي عيدنا ثم ترى فيهما رأيك فعلت، فأمر بحبسهما ثم ضُرِب على أذنه بالنسيان لهما، حتى قدم نسطور فسأل عنهما فأخبر بشأنهما وإنهما محبوسان في السجن، فدخل عليهما فقال : ألم أقل لكما ارفقا ولا تخرقا ولا تستبطئاني في شيء، هل تدريان ما مثلكما؟ مثلكما مثل امرأة لم تصب ولداً حتى دخلت في السن فأصابت بعدما دخلت في السن ولداً، فأحبت أن تعجل شبابه لتنتفع به، فحملت على معدته ما لا تطيق فقتلته، ثم قال لهما : والآن فلا تستبطئاني في شيء، ثم خرج فانطلق حتى أتى باب الملك، وكان إذا جلس الناس وضع سريره وجلس الناس سمطاً بين يديه، وكانوا إذا ابتلوا بحلال أو حرام رفعوا له، فنظر فيه ثم سأل عنه من يليه في مجلسه، وسأل الناس بعضهم بعضاً حتى تنتهي المسألة إلى أقصى المجلس، وجاء نسطور حتى جلس في أقصى القوم، فلما ردوا على الملك جواب من أجابه، وردوا عليه جواب نسطور فسمع بشيء عليه نور وحلا في مسامعه فقال : من صاحب هذا القول؟ فقيل : الرجل الذي في أقصى القوم. فقال : عليَّ به. فقال : أنت القائل كذا وكذا؟ قال : نعم. قال : فما تقول في كذا وكذا؟ قال : كذا وكذا. فجعل لا يسأله عن شيء إلا فسَّره له. فقال : عندك هذا العلم وأنت تجلس في آخر القوم؟ ضعوا له عند سريري مجلساً؟ ثم قال : إن أتاك ابني فلا تقم له عنه، ثم أقبل على نسطور وترك الناس، فلما عرف أن منزلته قد تثبتت قال : لأزورنه.
فقال : أيها الملك رجل بعيد الدار بعيد الضيعة، فإن أحببت أن تقضي حاجتك مني وتأذن لي فأنصرف إلى أهلي. فقال : يا نسطور ليس إلى ذلك سبيل، فإن أحببت أن تحمل أهلك إلينا فلك المواساة، وإن أحببت أن تأخذ من بيت المال حاجتك فتبعث به إلى أهلك فعلت، فسكت نسطور.
ثم تحيَّن يوماً فمات لهم فيه ميت فقال : أيها الملك بلغني أن رجلين أتياك يعيبان دينك؟ قال : فذكرهما فأرسل إليهما، فقال : يا نسطور أنت حكم بيني وبينهما ما قلت من شيء رضيت.