وأخرج البيهقي في الدلائل عن سلمان قال : كنت يتيماً من رامهرمز، وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه، فلزمته لأكون في كنفه وكان لي أخ أكبر مني، وكان مستغنياً في نفسه، وكنت غلاماً فقيراً، فكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظه، فإذا تفرقوا خرج، فتقنع بثوبه ثم صعد الجبل، فكان يفعل ذلك غير مرة متنكراً قال : فقلت أما أنك تفعل كذا وكذا، فلم لا تذهب بي معك؟ قال : أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء. قال : قلت لا تخف. قال : فإن في هذا الجبل قوماً في برطيل لهم عبادة وصلاح، يذكرون الله تعالى ويذكرون الآخرة، يزعمون أنا عبدة النيران وعبدة الأوثان، وأنا على غير دين. قلت : فاذهب بي معك إليهم. قال : لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم، وأنا أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي فيقتل القوم فيجري هلاكهم على يدي. قال : قلت لن يظهر مني ذلك، فاستأمرهم فقال : غلام عندي يتيم فأحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم، قالوا : إن كنت تثق به. قال : أرجو أن لا يجيء منه إلا ما أحب.
قالوا : فجيء به. فقال لي : قد استأذنت القوم أن تجيء معي، فإذا كانت الساعة التي رأيتني أخرج فيها فأتني ولا يعلم بك أحد، فإن أبي إن علم قتلهم. قال : فلما كانت الساعة التي يخرج تبعته، فصعد الجبل فانتهينا إليهم فإذا هم في برطيلهم. قال : علي. وأراه قال : هم ستة أو سبعة. قال : وكانت الروح قد خرجت منهم من العبادة، يصومون النهار ويقومون الليل، يأكلون الشجر وما وجدوا، فقعدنا إليهم فأثنى ابن الدهقان عليَّ خيراً، فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عليه، وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى عيسى ابن مريم، قالوا : بعثه الله وولده بغير ذكر، بعثه الله رسوله، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى، وخلق الطير، وابراء الأعمى والأبرص، فكفر به قوم وتبعه قوم. وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه. قال : وقالوا قبل ذلك : يا غلام، إن لك رباً، وإن لك معاداً، وإن بين يديك جنة وناراً إليها تصير، وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله بما يصنعون وليسوا على دين، فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام انصرف وانصرفت معه، ثم غدونا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن، فلزمتهم فقالوا : يا غلام، إنك غلام، وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع، فكل واشرب وصل ونم.
قال : فاطلع الملك على صنيع ابنه، فركب الخيل حتى أتاهم في برطيلهم، فقال : ياهؤلاء، قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءاً، فعمدتم إلى ابني فافسدتموه عليَّ، قد أجلتكم ثلاثاً، فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا فالحقوا ببلادكم، فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء.