قالوا : وما هذا؟ قال : تأخذوا من كل قبيلة غلاماً وسطاً شاباً مهداً، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً، ثم يضربوه به - يعني ضربة رجل واحد - فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم، وإنهم إذا أرادوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي : هذا - والله - هو الرأي، القول ما قال الفتى لا أرى غيره، فتفرقوا على ذلك وهم مجتمعون له. فأتى جبريل عليه السلام رسول الله ﷺ، فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله ﷺ في بيته تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك في الخروج وأمرهم بالهجرة وافترض عليهم القتال، فأنزل الله ﴿ أُذن للذين يقاتلون ﴾ [ الحج : ٣٩ ] فكانت هاتان الآيتان أول ما نزل في الحرب، وأنزل بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ الآية.
وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال « لما ائتمروا بالنبي ﷺ ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب : هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال : يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني. قال : من حدثك بهذا؟ قال : ربي. قال : نعم الرب ربك استوص به خيراً... ! قال : أنا استوصي به بل هو يستوصي بي ».
وأخرج ابن جرير من طريق عبيد بن عمير رضي الله عنه عن المطلب بن أبي وداعة « أنا أبا طالب قال للنبي ﷺ : ما يأتمر بك قومك؟ قال : يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني. قال : من حدثك بهذا؟ قال : ربي. قال : نعم الرب ربك فاستوص به خيراً... ! قال : أنا أستوصي به بل هو يستوصي بي : فنزلت ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ﴾ قال : هي مكية.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :« سئل النبي ﷺ عن الأيام، سئل عن يوم السبت فقال » هو يوم مكر وخديعة «. قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال : فيه مكرت قريش في دار الندوة إذ قال الله ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ﴾ ».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ ليثبتوك ﴾ يعني ليوثقوك.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال : دخلوا دار الندوة يأتمرون بالنبي ﷺ فقالوا : لا يدخل عليكم أحد ليس منكم، فدخل معهم الشيطان في صورة شيخ من أهل نجد، فتشاوروا فقال أحدهم : نخرجه : فقال الشيطان : بئسما رأى هذا هو قد كاد أن يفسد فيما بينكم وهو بين أظهركم فكيف إذا أخرجتموه فأفسد الناس ثم حملهم عليكم يقاتلونكم.


الصفحة التالية
Icon