« أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك؟ فلبث حيناً حتى غزا رسول الله ﷺ تبوك - وهي غزوة العسرة - فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف، فلما قفل رسول الله ﷺ منها جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول الله ﷺ ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة التي عند باب أم سلمة سبعاً من بين يوم وليلة في حر شديد لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة، قال : لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله عليَّ. فلم يزل كذلك حتى ما يسمع الصوت من الجهد ورسول الله ﷺ ينظر إليه بكرة وعشية، ثم تاب الله عليه فنودي أن الله قد تاب عليك، فأرسل إليه رسول الله ﷺ ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله ﷺ، فجاءه رسول الله ﷺ فأطلقه عنه بيده، فقال أبو لبابة حين أفاق : يا رسول الله إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وانتقل إليك فأساكنك، وإني أختلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله ﷺ. فقال : يجزي عنك الثلث. فهجر أبو لبابة دار قومه وساكن رسول الله ﷺ وتصدق بثلث ماله ثم تاب، فلم ير منه في الإِسلام بعد ذلك إلا خيراً حتى فارق الدنيا ».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال « إن رسول الله ﷺ غزا غزوة تبوك، فتخلف أبو لبابة ورجلان معه عن النبي ﷺ، ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلكة، وقالوا : نحن في الظل والطمأنينة مع النساء، ورسول الله ﷺ والمؤمنون معه في الجهاد، والله لنوثقن أنفسنا بالسواري فلا نطلقها حتى يكون رسول الله ﷺ هو الذي يطلقنا ويعذرنا، فانطلق أبو لبابة فأوثق نفسه ورجلان معه بسواري المسجد وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم، فرجع رسول الله ﷺ من غزوته وكان طريقه في المسجد، فمر عليهم فقال : من هؤلاء الموثقون أنفسهم بالسواري؟ فقال رجل : هذا أبو لبابة وصاحبان له تخلفوا عن رسول الله ﷺ، فعاهدوا الله لا يطلقون أنفسهم حتى تكون الذي أنت تطلقهم وترضى عنهم وقد اعترفوا بذنوبهم. فقال رسول الله ﷺ : والله لا أطلقهم حتى أُؤْمَر بإطلاقهم، ولا أعذرهم حتى يكون الله يعذرهم وقد تخلفوا ورغبوا عن المسلمين بأنفسهم وجهادهم، فأنزل الله تعالى ﴿ وآخرون اعترفوا بذنوبهم ﴾ الآية. وعسى من الله واجب، فلما نزلت الآية أطلقهم رسول الله ﷺ وعذرهم، فانطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم، فأتوا بها رسول الله ﷺ فقالوا : خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا.


الصفحة التالية
Icon