يقولون : استغفر لنا وطهرنا. فقال : لا آخذ منها شيئاً حتى أومر به. فأنزل الله ﴿ خذ من أموالهم صدقة... ﴾ الآية. قال : وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ولم يتوبوا ولم يذكروا بشيء ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهم الذين قال الله ﴿ وآخرون مرجون لأمر الله ﴾ [ التوبة : ١٠٦ ] الآية. فجعل الناس يقولون : هلكوا إذا لم ينزل لهم عذر، وجعل آخرون يقولون : عسى الله أن يتوب عليهم. فصاروا مرجئين لأمر الله حتى نزلت ﴿ لقد تاب الله على النبي ﴾ [ التوبة : ١١٧ ] إلى قوله ﴿ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ﴾ [ التوبة : ١١٨ ] يعني المرجئين لأمر الله، نزلت عليهم التوبة فعملوا بها «.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ﴿ وآخرون اعترفوا بذنوبهم ﴾ قال : هم الثمانية الذين ربطوا أنفسهم بالسواري، منهم كردم ومرداس وأبو لبابة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ﴿ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ﴾ قال : ذكر لنا أنهم كانوا سبعة رهط تخلفوا عن غزوة تبوك، منهم أربعة خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً : جد بن قيس، وأبو لبابة، وحرام، وأوس، كلهم من الأنصار تيب عليهم، وهم الذين قيل ﴿ خذ من أموالهم صدقة ﴾.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ﴿ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ﴾ قال : غزوهم مع رسول الله ﷺ ﴿ وآخر سيئاً ﴾ قال تخلفهم عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في التوبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإِيمان عن أبي عثمان النهدي قال : ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله ﴿ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ﴾ الآية.
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن مطرف قال : إني لاستلقي من الليل على فراشي وأتدبر القرآن، فأعرض أعمالي على أعمال أهل الجنة فإذا أعمالهم شديدة ﴿ كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ﴾ [ الذاريات : ١٧ ]. ﴿ يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ [ الفرقان : ٦٤ ]. ﴿ أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً ﴾ [ الزمر : ٩ ] فلا أراني منهم... ! فأعرض نفسي على هذه الآية ﴿ ما سلككم في سقر ﴾ ﴿ قالوا لم نك من المصلين ﴾ [ المدثر : ٤٢ - ٤٦ ] إلى قوله ﴿ نكذب بيوم الدين ﴾ فأرى القوم مكذبين فلا أراني منهم، فأمر بهذه الآية ﴿ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ﴾ فأرجو أن أكون أنا وأنتم يا اخوتاه منهم.
وأخرج أبو الشيخ وابن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن عساكر بسند قوي عن جابر بن عبد الله قال :» كان ممن تخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك ستة : أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة بن وديعة، وكعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فجاء أبو لبابة، وأوس بن جذام، وثعلبة، فربطوا أنفسهم بالسواري، وجاؤوا بأموالهم فقالوا : يا رسول الله، خذ هذا الذي حبسنا عنك. فقال رسول الله ﷺ « لا أحلهم حتى يكون قتال. فنزل القران ﴿ خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً... ﴾ الآية. وكان ممن أرجىء عن التوبة وخلف كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فأرجئوا أربعين يوماً، فخرجوا وضربوا فساطيطهم، واعتزلهم نساؤهم، ولم يتولهم المسلمون ولم يقربوا منهم، فنزل فيهم ﴿ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ﴾ [ التوبة : ١١٨ ] إلى قوله ﴿ التوّاب الرحيم ﴾ [ التوبة : ١١٨ ] فبعثت أم سلمة إلى كعب فبشرته » «.