وأخرج ابن مردويه عن بريدة قال « كنت مع النبي ﷺ إذ وقف على عسفان، فنظر يميناً وشمالاً فأبصر قبر أمه آمنة، ورد الماء فتوضأ ثم صلى ركعتين ودعا فلم يفجأنا إلا وقد علا بكاؤه فعلا بكاؤنا لبكائه، ثم انصرف إلينا فقال : ما الذي أبكاكم؟ قالوا : بكيت فبكينا يا رسول الله. قال : وما ظننتم؟ قالوا : ظننا أن العذاب نازل علينا بما نعمل. قال : لم يكن من ذلك شيء. قالوا : فظننا أن أمتك كلفت من الأعمال ما لا يطيقون فرحمتها. قال : لم يكن من ذلك شيء، ولكن مررت بقبر أمي آمنة فصليت ركعتين، فاستأذنت ربي أن استغفر لها فنهيت، فبكيت ثم عدت فصليت ركعتين فاستأذنت ربي أن أستغفر لها، فزجرت زجراً فعلا بكائي ثم دعا براحلته فركبها، فما سار إلا هنية حتى قامت الناقة لثقل الوحي، فأنزل الله ﴿ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين... ﴾ الآيتين ».
وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال « جاء ابنا مليكة - وهما من الأنصار - فقالا : يا رسول الله إن أمنا كانت تحفظ على البعل وتكرم الضيف، وقد وُئدت في الجاهلية فأين أمنا؟ فقال : أمكما في النار. فقاما وقد شق ذلك عليهما، فدعاهما رسول الله ﷺ فرجعا، فقال : ألا أن أمي مع أمكما فقال منافق من الناس : أما ما يغني هذا عن أمه إلا ما يغني ابنا مليكة عن أمهما ونحن نطأ عقبيه. فقال شاب من الأنصار لم أر رجلاً أكثر سؤالاً لرسول الله ﷺ منه : يا رسول الله وأين أبواك؟ فقال رسول الله ﷺ : ما سألتهما ربي فيطيعني فيهما. وفي لفظ : فيطعمني فيهما، وإني لقائم يومئذ المقام المحمود، فقال المنافق للشاب الأنصاري : سله وما المقام المحمود؟ قال : يا رسول الله وما المقام المحمود؟ قال : ذاك يوم ينزل الله فيه على كرسيه يئط فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم. يقول الله : اكسوا خليلي. فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم اكسى على أثره، فأقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني فيه الأوّلون والآخرون، ويشق لي نهر من الكوثر إلى حوضي قال : يقول المنافق : لم أسمع كاليوم قط لقلما جرى نهر قط إلا في إحالة أو رضراض، فسله فيم يجري النهر إليهم؟ قال : في إحالة من المسك ورضراض. قال : يقول المنافق : لم أسمع كاليوم قط. والله لقلما جرى نهر قط إلا كان له نبات، فسله هل لذلك النهر نبات؟ فقال الأنصاري : يا رسول الله هل لذلك النهر نبات؟ قال : نعم. قال : ما هو؟ قال : قضبان الذهب. قال : يقول المنافق : لم أسمع كاليوم قط والله ما نبت قضيب إلا كان له ثمر، فسله هل لتلك القضبان ثمار؟ فسأل الأنصاري قال : يا رسول الله هل لتلك القضبان ثمار؟ قال : نعم، اللؤلؤ والجوهر. فقال المنافق : لم أسمع كاليوم قط، فسله عن شراب الحوض؟ فقال الأنصاري : يا رسول الله ما شراب الحوض؟ قال : أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، من سقاه الله منه شربة لم يظمأ بعدها، ومن حرمه لم يرو بعدها ».