قال : فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله، يقول الله ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾ [ الأنبياء : ٢٥ ].
وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف وابن حبان وابن المنذر والطبراني والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت قال : أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، واني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن الا أن تجمعوه، وإني أرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر : فقلت لعمر : كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ﷺ ؟ فقال عمر : هو - والله - خير. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت : وعمر جالس عنده لا يتكلم، فقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمراني به من جمع القرآن. قلت : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله ﷺ ؟ فقال أبو بكر : هو - والله - خير. فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فقمت فتتبعت القرآن اجمعه من الرقاع والإِكاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره ﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ﴾ إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال : كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان، فجاء رجل من الأنصار بهاتين الآيتين ﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم ﴾ إلى آخرها. فقال عمر : لا أسألك عليها بينة أبداً، كذلك كان رسول الله ﷺ.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن عروة قال : لما استحر القتل بالقراء يومئذ فرقَّ أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب، ولزيد بن ثابت : أقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه.
وأخرج ابن إسحق وأحمد بن حنبل وابن أبي داود عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال : أتى الحرث بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة ﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم ﴾ إلى قوله ﴿ وهو رب العرش العظيم ﴾ إلى عمر فقال : من معك على هذا؟ فقال : لا أدري والله إلا أني أشهد لسمعتها من رسول الله ﷺ ووعيتها وحفظتها.