فقال : اللهمَّ إني كنت نذرت لك نحر أحدهم وإني أقرع بينهم فأصيب بذلك من شئت. فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله، وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب : اللهم هو أحب إليك أم مائة من الابل؟ ثم أقرع بينه وبين المائة من الإِبل فطارت القرعة على المائة من الإِبل، فنحرها عبد المطلب.
وأخرج الأزرقي والبيهقي في الدلائل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال : أحفر طيبة. قلت : وما طيبة؟ فذهب عني، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت به، فجاءني فقال : احفر زمزم. فقلت : وما زمزم؟ قال : لا تنزف ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل. قال : فلما أبان له شأنها ودل على موضعها وعرف أن قد صدق غدا بمعول ومعه ابنه الحارث ليس له يومئذ غيره فحفر، فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب إنها بئر إسمعيل، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها؟ فقال : ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم. قالوا : فأنصفنا فإنَّا غير تاركيك حتى نحاكمك. قال : فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم. قالوا : كاهنة من سعد هذيل. قال : نعم - وكانت باشراف الشام - فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف، وركب من كل ركب من قريش نفر - والأرض إذ ذاك مفاوز - فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا : إنا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم.
فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال : ماذا ترون؟ قالوا : ما رأينا الا تبع لرأيك فمرنا ما شئت. قال : فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه لما بكم الآن من القوة، كلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً. قالوا : سمعنا ما أردت. فقام كل رجل منهم يحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه : والله إن إلقاءنا بأيدينا لعجز ما نبتغي لأنفسنا حيلة، عسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارحلوا، فارتحلوا حتى فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون، فقام عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت انفجرت من تحت خفها عين من ماء عذب، فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشربوا واستقوا حتى ملأوا سقيتهم، ثم دعا القبائل التي معه من قريش فقال : هلم الماء قد سقانا الله تعالى فاشربوا واستقوا.


الصفحة التالية
Icon