.. ! ووضعت يدها على وجهها استحياء. فذلك قوله ﴿ فصكت وجهها وقالت أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً ﴾ قال : لما بشر إبراهيم بقول الله ﴿ فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى ﴾ باسحاق ﴿ يجادلنا في قوم لوط ﴾ وإنما كان جداله أنه قال : يا جبريل أين تريدون، وإلى من بعثتم؟ قال : إلى قوم لوط وقد أمرنا بعذابهم. فقال إبراهيم ﴿ إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته ﴾ [ العنكبوت : ٣٢ ] وكانت فيما زعموا تسمى والقة فقال إبراهيم : إن كان فيهم مائة مؤمن تعذبونهم؟ قال جبريل : لا. قال : فإن كان فيهم تسعون مؤمنون تعذبونهم؟ قال جبريل : لا، قال : فإن كان فيهم ثمانون مؤمنون تعذبونهم؟ قال جبريل : لا، حتى انتهى في العدد إلى واحد مؤمن؟ قال جبريل : لا، فلما لم يذكروا لإِبراهيم أن فيها مؤمناً واحداً قال :﴿ إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته ﴾ [ العنكبوت : ٣٢ ].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن وهب بن منبه رضي الله عنه. أن إبراهيم عليه السلام حين أخرجه قومه بعدما ألقوه في النار خرج بامرأته سارة ومعه أخوها لوط وهما ابنا أخيه، فتوجها إلى أرض الشام ثم بلغوا مصر، وكانت سارة رضي الله عنها من أجمل الناس، فلما دخلت مصر تحدث الناس بجمالها وعجبوا له حتى بلغ ذلك الملك، فدعا ببعلها وسأله ما هو منها فخاف إن قال له زوجها أن يقتله، فقال : أنا أخوها. فقال : زوجنيها. فكان على ذلك حتى بات ليلة، فجاءه حلم فخنقه وخوّفه، فكان هو وأهله في خوف وهول حتى علم أنه قد أتى من قبلها، فدعا إبراهيم فقال : ما حملك على أن تَغُرَّني زعمت أنها أختك؟ فقال : إني خفت إن ذكرت أنها زوجتي أن يصيبني منك ما أكره، فوهب لها هاجر أم إسمعيل وحملهم وجهزهم حتى استقر قرارهم على جبل إيليا، فكانوا بها حتى كثرت أموالهم ومعايشهم، فكان بين رعاء إبراهيم ورعاء لوط جوار وقتال : فقال لوط لابراهيم : إن هؤلاء الرعاء قد فسد ما بينهم وكانت تضيق فيهم المراعي، ونخاف أن لا تحملنا هذه الأرض فإن أحببت أن أخف عنك خففت. قال إبراهيم : ما شئت إن شئت فانتقل منها وإن شئت انتقلت منك. قال لوط عليه السلام : لا بل أنا أحق أن أخف عنك. ففر بأهله وماله إلى سهل الأردن، فكان بها حتى أغار عليه أهل فلسطين فسبوا أهله وماله.
فبلغ ذلك إبراهيم عليه السلام فأغار عليهم بما كان عنده من أهله ورقيقه، وكان عددهم زيادة على ثلاثمائة من كان مع إبراهيم، فاستنقذ من أهل فلسطين من كان معهم من أهل لوط حتى ردهم إلى قرارهم، ثم انصرف إبراهيم إلى مكانه وكان أهل سدوم الذين فيهم لوط قوم قد استغنوا عن النساء بالرجال، فلما رأى الله كان عند ذلك بعث الملائكة ليعذبوهم، فأتوا إبراهيم فلما رآهم راعه هيئتهم وجمالهم فسلموا عليه وجلسوا إليه، فقام ليقرب إليهم قِرىً فقالوا : مكانك.