قال : بل دعوني آتيكم بما ينبغي لكم فإن لكم حقاً لم يأتنا أحد أحق بالكرامة منكم، فأمر بعجل سمين فحنذ له - يعني شوي لهم - فقرب إليهم الطعام ﴿ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ﴾ وسارة رضي الله عنها وراء الباب تسمع ﴿ قالوا لا تخف إنا نبشرك بغلام حليم ﴾ مبارك فبشر به امرأته سارة فضحكت وعجبت كيف يكون له مني ولد وأنا عجوز وهذا شيخ كبير... ! ﴿ قالوا أتعجبين من أمر الله ﴾ فإنه قادر على ما يشاء، وقد وهبه الله لكم فابشروا به. فقاموا وقام معهم إبراهيم عليه السلام فمشوا معاً، وسألهم قال : أخبروني لم بعثتم وما دخل بكم؟ قالوا : إنا أرسلنا إلى أهل سدوم لندمرها فإنهم قوم سوء وقد استغنوا بالرجال عن النساء. قال إبراهيم : إن فيها قوماً صالحين فكيف يصيبهم من العذاب ما يصيب أهل عمل السوء؟ قالوا : وكم فيها؟ قال : أرأيتم إن كان فيها خمسون رجلاً صالحاً. قالوا : إذن لا نعذبهم. قال : إن كان فيهم أربعون؟ قالوا : إذن لا نعذبهم. فلم يزل ينقص حتى بلغ إلى عشرة، ثم قال : فأهل بيت؟ قالوا : فإن كان فيها بيت صالح. قال : فلوط وأهل بيته؟ قالوا : إن امرأته هواها معهم فكيف يصرف عن أهل قرية لم يتم فيها أهل بيت صالحين.
فلما يئس منهم إبراهيم عليه السلام انصرف وذهبوا إلى أهل سدوم، فدخلوا على لوط عليه السلام، فلما رأتهم امرأته أعجبها هيئتهم وجمالهم، فأرسلت إلى أهل القرية أنه قد نزل بنا قوم لم ير قط أحسن منهم ولا أجمل. فتسامعوا بذلك فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا عليهم الجدران، فلقيهم لوط عليه السلام فقال : يا قوم لا تفضحوني في بيتي وأنا أزوجكم بناتي فهن أطهر لكم. قالوا : لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانك ولكن لا بد لنا من هؤلاء القوم الذين نزلوا بك فخل بيننا وبينهم واسلم منا، فضاق به الأمر ف ﴿ قال لو أن لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد ﴾ فوجد عليه الرسل في هذه الكلمة فقالوا : إن ركنك لشديد، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، ومسح أحدهم أعينهم بجناحه فطمس أبصارهم فقالوا : سحرنا انصرف بنا حتى ترجع إليهم تغشاهم الليل، فكان من أمرهم ما قص الله في القرآن، فأدخل ميكائيل وهو صاحب العذاب جناحه حتى بلغ أسفل الأرض، ثم حمل قراهم فقلبها عليهم، ونزلت حجارة من السماء فتتبعت من لم يكن منهم في القرية حيث كانوا، فأهلكهم الله تعالى ونجا لوط وأهله إلا امرأته.


الصفحة التالية
Icon