وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : لما أرسلت الرسل إلى قوم لوط ليهلوكهم قيل لهم : لا تهلكوا قوم لوط حتى يشهد عليهم لوط ثلاث مرات، وكان طريقهم على إبراهيم خليل الرحمن ﴿ فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ﴾ وكانت مجادلته إياهم قال : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المؤمنين أتهلكونهم؟ قالوا : لا. قال : فأربعون؟ قالوا : لا. حتى انتهى إلى عشرة أو خمسة قال : فأتوا لوطاً وهو في أرض له يعمل فيها، فحسبهم ضيفاناً، فأقبل حتى أمسى إلى أهله، فمشوا معه فالتفت إليهم فقال : ما ترون ما يصنع هؤلاء؟ قالوا : وما يصنعون؟ قال : ما من الناس أحد شر منهم. فمشوا معه حتى قال ذلك ثلاث مرات، فانتهى بهم إلى أهله فانطلقت عجوز السوء امرأته، فأتت قومه فقالت : لقد تضيف لوط الليلة قوماً ما رأيت قط أحسن ولا أطيب ريحاً منهم، فأقبلوا إليه يهرعون فدافعوه بالباب حتى كادوا يغلبون عليه. فقال ملك بجناحه فسفقه دونهم وعلا وعلوا معه، فجعل يقول ﴿ هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ﴾ إلى قوله ﴿ أو آوي إلى ركن شديد ﴾ فقالوا ﴿ إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ﴾ فذلك حين علم أنهم رسل الله، وقال ملك بجناحه فما عشى تلك الليلة أحد بجناحه إلا عمي فباتوا بشر ليلة عمياً ينتظرون العذاب، فاستأذن جبريل عليه السلام في هلاكهم فأذن له، فاحتمل الأرض التي كانوا عليها وأهوى بها حتى سمع أهل سماء الدنيا صغاء كلابهم، وأوقد تحتهم ناراً ثم قلبها بهم، فسمعت امرأة لوط الوجبة وهي معهم، فالتفتت فأصابها العذاب، وتبعت سفارهم الحجارة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما جاءت رسل الله لوطاً عليه السلام ظن أنهم ضيفان لقومه، فادناهم حتى أقعدهم قريباً، وجاء ببناته وهن ثلاثة فأقعدهن بين ضيفانه وبين قومه، فجاءه قومه يهرعون إليه، فلما رآهم قال ﴿ هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزونِ في ضيفي، قالوا ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد، قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ﴾ فالتفت إليه جبريل عليه السلام فقال ﴿ إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ﴾ فلما دنو طمس أعينهم فانطلقوا عمياً يركب بعضهم بعضاً، حتى إذا خرجوا إلى الذين بالباب قالوا : جئناكم من عند أسحر الناس، ثم رفعت في جوف الليل حتى إنهم يسمعون صوت الطير في جوّ السماء، ثم قلبت عليهم فمن أصابته الائتفاكة أهلكته، ومن خرج منها اتبعته حيث كان حجراً فقتلته، فارتحل ببناته حتى بلغ مكان كذا من الشام ماتت ابنته الكبرى، فخرجت عندها عين، ثم انطلق حيث شاء الله أن يبلغ فماتت الصغرى، فخرجت عندها عين فما بقي منهن إلا الوسطى.


الصفحة التالية
Icon