قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون } قال : فإني أخشى أن لا تأتوني به، فضعوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا. فارتهن شمعون عنده، فقال لفتيته وهو يكيل لهم : اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم، لعلهم يرجعون إليَّ. فلما رجعٍ القوم إلى أبيهم كلموه فقالوا : يا أبانا، إن ملك مصر أكرمنا كرامة لو كان رجلاً منا من بني يعقوب ما أكرمنا كرامته، وإنه ارتهن شمعون وقال : ائتوني بأخيكم هذا الذي عطف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك حتى أنظر إليه، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي أبداً. فقال لهم يعقوب عليه السلام : إذا أتيتم ملك مصر فاقرؤوه مني السلام وقولوا : إن أبانا يصلي عليك ويدعو لك بما أوليتنا، ولما فتحوا رحالهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم، أتوا أباهم ﴿ قالوا : يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ﴾ فقال أبوه حين رأى ذلك :﴿ لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقاً من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم ﴾. فحلفوا له، ﴿ فلما آتوه موثقهم ﴾ قال يعقوب :﴿ الله على ما نقول وكيل ﴾. ورهب عليهم أن يصيبهم العين إن دخلوا مصر فيقال هؤلاء لرجل واحد، قال :﴿ يا بني، لا تدخلوا من باب واحد ﴾ - يقول من طريق واحد - فلما دخلوا على يوسف عرف أخاه فأنزلهم منزلاً وأجرى عليهم الطعام والشراب، فلما كان الليل أتاهم بمثل، قال : لينم كل أخوين منكم على مثال حتى بقي الغلام وحده، فقال يوسف عليه السلام : هذا ينام معي على فراشي، فبات مع يوسف، فجعل يشم ريحه ويضمه إليه حتى أصبح وجعل يقول روبيل : ما رأينا رجلاً مثل هذا! إن نحن نجونا منه، ﴿ فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ﴾، والأخ لا يشعر، فلما ارتحلوا ﴿ أذن مؤذّن ﴾ قبل أن يرتحل العير :﴿ أيتها العير، إنكم لسارقون ﴾، فانقطعت ظهورهم ﴿ وأقبلوا عليهم ﴾ يقولون :﴿ ماذا تفقدون ﴾ إلى قوله ﴿ فما جزاؤه ﴾ ﴿ قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ﴾ يقول تأخذونه فهو لكم، ﴿ فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ﴾ فلما بقي رحل أخيه الغلام قال : ما كان هذا الغلام ليأخذها. قالوا والله لا يترك حتى تنظروا في رحله ونذهب وقد طابت نفوسكم، فأدخل يده في رحله فاستخرجها من رحل أخيه. يقول الله ﴿ كذلك كدنا ليوسف ﴾ يقول صنعنا ليوسف ﴿ ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ﴾ يقول في حكم الملك ﴿ إلا أن يشاء الله ﴾ ولكن صنعنا لشأنهم قالوا فهذا جزاؤه. قال فلما استخرجها من رحل الغلام انقطعت ظهورهم وهلكوا وقالوا : ما يزال لنا منكم بلاء يا بني راحيل، حتى أخذت هذا الصواع. قال بنيامين : بنو راحيل، لا يزل لنا منكم بلاء، ذهبتم بأخي فأهلكتموه في البرية وما وضع هذا الصواع في رحلي إلا الذي وضع الدراهم في رحالكم، قالوا لا تذكر الدراهم فتؤخذ بها، فوقعوا فيه وشتموه، فما أدخلوهم على يوسف دعا بالصواع، ثم نقر فيه، ثم أدناه من أذنه ثم قال : إن صواعي هذا يخبرني أنكم كنتم إثني عشر أخاً، وأنكم انطلقتم بأخٍ لكم فبعتموه.