فدخل أبو بكر رضي الله عنه الغار. فأصاب يده شيء، فجعل يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول :

هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وأخرج ابن مردويه عن جعدة بن هبيرة رضي الله عنه قال : قالت عائشة رضي الله عنها : قال أبو بكر رضي الله عنه : لو رأيتني مع رسول الله ﷺ إذ صعدنا الغار، فأما قدما رسول الله ﷺ فتفطرتا دماً، وأما قدماي فعادتا كأنهما صفوان. قالت عائشة رضي الله عنها : إن رسول الله ﷺ لم يتعوّد الحفية.
وأخرج ابن سعد وابن مردويه عن ابن مصعب قال : أدركت أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والمغيرة بن شعبة، فسمعتهم يتحدثون أن النبي ﷺ ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النبي ﷺ فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار، وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم وأسيافهم وهراويهم، حتى إذا كانوا من النبي ﷺ قدر أربعين ذراعاً فنزل بعضهم فنظر في الغار، فرجع إلى أصحابه فقالوا : ما لك لم تنظر في الغار؟! فقال : رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد. فسمع النبي ﷺ ما قال، فعرف أن الله درأ عنه بهما فسمت النبي ﷺ عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم، فأخرج ذلك الزوج كل شيء في الحرم.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسند واه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :« كان أبو بكر مع رسول الله ﷺ في الغار فعطش، فقال له رسول الله ﷺ » اذهب إلى صدر الغار فاشرب. فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى صدر الغار فشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحة من المسك، ثم عاد فقال رسول الله ﷺ : إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب « ».
وأخرج ابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال : والذي لا إله غيره لقد عوتب أصحاب محمد ﷺ في نصرته إلا أبا بكر رضي الله عنه، فإن الله تعالى قال ﴿ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ﴾ خرج أبو بكر رضي الله عنه والله من المعتبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سالم بن عبيد الله رضي الله عنه - وكان من أهل الصفة - قال : أخذ عمر بيد أبي بكر رضي الله عنهما فقال : من له هذه الثلاث.


الصفحة التالية
Icon